رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحوله أصحابه، عليهم السكينة والوقار، كأنما على رؤوسهم الطير، فسلمت ثم قعدت.
وقال عروة بن مسعود: كنا في الصحيح حين وجهته قريش عام القضية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى إنه لا يتوضأ وضوءا إلا ابتدروا وضوءه، وكادوا يقتتلون عليه، ولا يبصق بصاقا ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم، ودلكوا بها وجوههم وأجسادهم، ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له، فلما رجع إلى قريش قال: يا معشر قريش، إني جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكا قط قي قومه يعظمه أصحابه ما يعظم محمدا أصحابه، وقد رأيت قوما لا يسلمونه أبدا.
وروى عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحلاق يحلقه، وقد أطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل.
وفي الصحيح، أن قريشا لما أذنت لعثمان في الطواف بالبيت حين وجهه - صلى الله عليه وسلم - إليهم في القضية أبى أن يطوف، وقال: ما كنت لأطوف به حتى يطوف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى عن البراء - رضي الله تعالى عنه - قال: لقد كنت أريد أن أسال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأمر فأؤخره سنين من هيبته - صلى الله عليه سلم - وروى الترمذي وحسنه عن طلحة - رضي الله تعالى عنه - أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا لأعرابي جاهل سأله عمن قضى نحبه من هو وكانوا لا يحترؤن على مسألته يوقرونه ويهابونه [فسأله، فأعرض عنه، إذ طلع طلحة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا ممن قضى نحبه].
وروى عن المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرعون بابه بالأظافير.
وقد تقدم في باب هيبته ما فيه كفاية.
فصل واعلم أن حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره وتعظيمه بعد موته لازم كما كان في حياته، وذلك عند ذكره - صلى الله عليه وسلم - وذكر حديثه وسنته، وسماع اسمه وسيرته ومعاملة آله وعترته، وتعظيم أهل بيته وصحابته - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين -.