الباب الثاني في حكم عقد قلبه - صلى الله عليه وسلم - في الأمور الدنيوية أما العقد منها فقد يعتقد في أمور الدنيا الشئ على وجه ويظهر خلافه، أو يكون منه على شك أو ظن بخلاف أمور الشرع، كما حدثنا أبو بحر سفيان بن العاصي وغير واحد سماعا وقراءة، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن عمر، قال: حدثنا أبو العباس الرازي، حدثنا أبو أحمد بن عمرويه، حدثنا ابن سفيان، حدثنا مسلم، حدثنا عبد الله بن الرومي، وعباس العنبري، وأحمد المعقري، قالوا: حدثنا النضر بن محمد، قال: حدثني عكرمة، حدثنا أبو النجاشي، قال: حدثنا رافع بن خديج قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأبرون النخل، فقال: ما تصنعون؟ قالوا: كنا نصنعه. قال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا، فتركوه، فنقصت، فذكروا ذلك له، فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشئ من رأيي فإنما أنا بشر.
وفي رواية أنس: أنتم أعلم بأمر دنياكم.
وفي حديث آخر: إنما ظننت ظنا: فلا تؤاخذوني بالظن.
وفي حديث ابن عباس في قصة الخرص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا بشر فما حدثتكم عن الله فهو حق، وما قلت فيه من قبل نفسي فإنما أنا بشر أخطئ وأصيب.
وهذا على ما قررناه فيما قاله من قبل نفسه في أمور الدنيا وظنه من أحوالها، لا ما قاله من قبل نفسه واجتهاده في شرع شرعه، وسنة سنها.
وكما حكى ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل بأدنى مياه بدر قال له الحباب بن المنذر: أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: لا، بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: فإنه ليس بمنزل، انهض حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نعور ما وراءه من القلب، فنشرب ولا يشربون. فقال: أشرت بالرأي، وفعل ما قاله.
وقد قال له الله تعالى: (وشاورهم في الأمر).
وأراد مصالحة بعض عدوه على ثلث ثمر المدينة، فاستشار الأنصار، فلما أخبروه برأيهم رجع عنه.
فمثل هذا وأشباهه من أمور الدنيا التي لا مدخل فيها لعلم ديانة ولا اعتقادها ولا تعليمها، يجوز عليه فيه ما ذكرناه، إذ ليس في هذا كله نقيصة ولا محطة، وإنما هي أمور