جماع أبواب حكم من سبه أو انتقصه وكذا سائر الأنبياء - صلوات الله سلامه عليهم أجمعين - الباب الأول في ذكر فوائد كالمقدمة للأبواب الآتية [قال القاضي أبو الفضل رضي الله عنه: قد تقدم من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ما يجب من الحقوق للنبي صلى الله عليه وسلم، وما يتعين له من بر وتوقير، وتعظيم وإكرام، وبحسب هذا حرم الله تعالى أذاه في كتابه، وأجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه، قال الله تعالى:
(إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا).
وقال تعالى: (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم).
وقال الله تعالى: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا، إن ذلكم كان عند الله عظيما).
وقال تعالى في تحريم التعريض به: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم).
وذلك أن اليهود كانوا يقولون: راعنا يا محمد، أي أرعنا سمعك، واسمع منا، ويعرضون بالكلمة، يريدون الرعونة، فنهي الله المؤمنين عن التشبه بهم، وقطع الذريعة بنهي المؤمنين عنها، لئلا يتوصل بها الكافر والمنافق إلى سبه والاستهزاء به.
وقيل: بل لما فيها من مشاركة اللفظ، لأنها عند اليهود بمعنى اسمع لا سمعت.
وقيل: بل لما فيها من قلة الأدب، وعدم توقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، لأنها في لغة الأنصار بمعني: أرعنا نرعك، فنهوا عن ذلك، إذ مضمنه أنهم لا يرعونه إلا برعايته لهم، وهو - صلى الله عليه وسلم - واجب الرعاية بكل حال، وهذا هو صلى الله عليه وسلم قد نهى عن التكني بكنيته، فقال: تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي، صيانة لنفسه، وحماية عن أذاه، إذ كان صلى الله عليه وسلم استجاب لرجل نادى:
يا أبا القاسم، فقال: لم أعنك، إنما دعوت هذا، فنهى حينئذ عن التكني بكنيته لئلا يتأذى بإجابة دعوة غيره لمن لم يدعه، ويجد بذلك المنافقون والمستهزئون ذريعة إلى أذاه والإزراء به، فينادونه، فإذا التفت قالوا: إنما أردنا هذا - لسواه - تعنيتا له، واستخفافا بحقه على عادة المجان والمستهزئين، فحمى صلى الله عليه وسلم حمى أذاه بكل وجه، فحمل محققو العلماء نهيه عن هذا على مدة حياته، وأجازوه بعد وفاته لارتفاع العلة.