ثم يتأخر صوب يمينه قدر ذراع، فيصير تجاه عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فيقول: السلام عليك يا عمر الفاروق الذي أعز الله بك الإسلام جزاك الله عن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خير الجزاء ثم يرجع الزائر إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن أحسن ما يقول ما حكاه المصنفون في المناسك من جميع المذاهب واستحسنوه ورأوه من أدب الزائر عن أبي عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عقبة بن أبي سفيان - صخر بن حرب - العتبي أحد أصحاب سفيان بن عيينة قال: دخلت المدينة فأتيت قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزرته وجلست بحزائه فجاء أعرابي فزاره ثم قال: يا خير الرسل، إن الله أنزل عليك كتابا صادقا قال فيه: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) [النساء: 64] وإني جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم بكى وأنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه * فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي لقبر أنت ساكنه * فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم استغفر وانصرف فرقدت فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نومي وهو يقول: الحق الأعرابي، وبشره بأن الله تعالى غفر له بشفاعتي فاستيقظت فخرجت أطلبه فلم أجده، رواها ابن عساكر في تاريخه وابن الجوزي في كتابه: (مثير العزم الساكن) عن محمد بن حرب الهلالي أنه اتفق له مثل ما اتفق للعتبي ووردت هذه القصة من غير طريق العتبي فرواها.
وروى ابن السمعاني عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - قال: قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أيام فرمى نفسه على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وحثا من ترابه على رأسه وقال: يا رسول الله، قلت فسمعنا قولك ووعيت عن الله تعالى ووعينا عنك، وكان فيما أنزل عليك (ولو أنهم إذ ظلموا) [النساء: 64] الآية فنودي من القبر قد غفر لك.
وليجدد التوبة في ذلك الموقف ويسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها توبة نصوحا وليستشفع به - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه في قبولها وليكثر الاستغفار والتضرع بعد تلاوة الآية التي في قصة العتبي ويقول: نحن وفدك يا رسول الله وزوارك جئناك لقضاء حقك والتبرك بزيارتك والاستشفاع بك إلى ربك تعالى، فإن الخطايا قد أثقلت ظهورنا، وأنت الشافع المشفع، والموعود بالشفاعة العظمى، والمقام والمحمود، وقد جئناك ظالمين لأنفسنا، مستغفرين لذنوبنا، سائلين منك أن تستغفر لنا إلى ربك، فأنت نبينا وشفيعنا، فاشفع لنا إلى ربك واسأله أن يميتنا على سنتك ومحبتك، ويحشرنا في زمرتك، وأن يوردنا حوضك، غير خزايا ولا ندامى.