الباب الثالث والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الإسهال روى الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أخي استطلق بطنه فقال: (اسقه عسلا) فسقاه ثم جاء فقال: سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا فقال: (اسقه عسلا) فسقاه ثم جاء، فقال: إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا، ثم قال في الرابعة فقال: (اسقه عسلا صدق الله وكذب بطن أخيك) فسقاه فبرأ (1).
تنبيه: قال الخطابي: أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ، يقال: كذب سمعك أي: زل فلم يدرك حقيقة ما قيل له، فمعني كذب بطنه، أي لم يصلح لقبول الشفاء بل زل عنه.
وقال الإمام الرازي: لعله - صلى الله عليه وسلم - علم بنور الوحي أي ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك، فلما لم يظهر نفعه في الحال مع كونه - صلى الله عليه وسلم - كان عالما بأنه سيظهر نفعه بعد ذلك، كان جاريا مجرى الكذب، فلهذا أطلق عليه هذا اللفظ، وقد اعترض بعض الملاحدة، فقال: إن العسل مسهل فكيف يوصف لمن وقع به الإسهال؟ وأجيب بأن ذلك جهل من قائله، بل هو كقوله تعالى: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) [يونس 39] فقد الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والعادة والزمان والغذاء المألوف والتدبير وقوة الطبيعة، وعلى أن الإسهال يحدث من أنواع منها الهيضة التي تنشأ عن تخمة، واتفقوا على أن علاجها بترك الطبيعة وفعلها، فإن احتاجت إلى مسهل معين أعينت ما دام بالعليل قوة، فكأن هذا الرجل كان استطلاق بطنه من تخمة أصابته، فوصف له - صلى الله عليه وسلم - العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء لما في العسل من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها، وللمعدة خمل كخمل المنشفة، فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها، وأفسدت الغذاء الواصل إليها، فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط ولا شئ في ذلك مثل العسل، لا سيما إن مزج بالماء الحار، وإنما لم يفده في أول مرة، لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب الداء إن قصر عنه لم يدفعه بالكلية، وإن جاوزه أوهى القوة وأحدث ضررا آخر، فكأنه شرب منه أولا مقدارا لا يفي بمقاومة الداء، فأمر بمعاودة سقيه، فلما تكررت الشربات بحسب مادة