وفي كتب الحنفية قال نحو هذا، قال العز بن جماعة: وما ذكره من العود قباله الوجه الشريف، من التقدم إلى رأس القبر المقدس للدعاء لم يكن إلا عقب الزيارة، ولم ينقل عن فعل الصحابة والتابعين - رضي الله تعالى عنهم - أجمعين.
قال السيد: أما الدعاء والتوسل هناك فله أصل عنهم، والذي لم ينقل إنما هو هذا الترتيب المخصوص، والظاهر أن المراد بذلك تأخير الدعاء عن السلام على الشيخين، والجمع بين موقف السلف الأول الذي كان قبل إدخال الحجرة، والثاني الذي كان بعده حسن.
قال النووي: رحمه الله تعالى: ثم يأتي الروضة، فيكثر فيها من الدعاء والصلاة، ويقف عند المنبر ويدعو.
قال السيد: ويقف أيضا ويدعو عند أسطوان المهاجرين، ويتبرك بالصلاة عندها، وكذا أسطوان أبي لبابة، وأسطوان الحرس وأسطوان الوفود، وأسطوان التهجد بعد أن يسلم على السيدة فاطمة الزهراء - رضي الله تعالى عنها - عند المحراب الذي في بيتها داخل المقصورة، على القول بدفنها هناك.
ومنها تعظيمه وتوقيره، لأنهما واجبان حيا وميتا قال الله تبارك وتعالى: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه) [الفتح: 9] وقال تبارك اسمه (والذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) [الأعراب: 157] فأخبر أن الفلاح إنما يكون لمن جمع إلى الإيمان تعزيره، ولا خلاف أن التعزير هاهنا هو التعظيم، فانظر ما في هذه الآية من تعظيم الله تعالى لنبينا - صلى الله عليه وسلم -، حين قدم في الذكر تعزيره نصرته على اتباع النور الذي أنزل معه، وفي ذلك من الإشعار بعلو المنزلة وارتفاع الرتبة والإجلال والتوقير والتعظيم ما لا يخفى على من يفهم مواقع كلام الله سبحانه وتعالى.
وقال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) [الحجرات:
1].
وقال تبارك اسمه: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) [الحجرات: 2] الثلاث آيات.
وقال جل وعلا: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) [النور: 63] فأوجب الله تعالى تعزيره وتوقيره، وألزم إكرامه وتعظيمه.
قال ابن عباس، يعزروه أي: يجلوه.