وعن أنس، عنه صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.
وقد قال المفسرون في قوله تعالى: (من يعمل سوءا يجز به)، إن المسلم يجزى بمصائب الدنيا، فتكون له كفارة. وروي هذا عن عائشة، وأبي، ومجاهد.
وقال أبو هريرة، عنه صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يصب منه).
وقال في رواية عائشة: (ما من مصيبة تصيب المسلم إلا يكفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها).
وقال في رواية أبي سعيد: (ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).
وفي حديث ابن مسعود: (ما من مسلم يصيبه أذى إلا حات الله عنه خطاياه كل تحات ورق الشجر).
وحكمة أخرى أودعها الله في الأمراض لأجسامهم، وتعاقب الأوجاع عليها وشدتها عند مماتهم، لتضعف قوى نفوسهم، فيسهل خروجها عند قبضهم، وتخف عليهم مؤنة النزع، وشدة السكرات بتقدم المرض، وضعف الجسم والنفس لذلك.
وهذا خلاف موت الفجاءة وأخذه، كما يشاهد من اختلاف أحوال الموتى في الشدة واللين، والصعوبة والسهولة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن مثل خامة الزرع تفيؤها الريح هكذا وهكذا.
وفي رواية أبي هريرة عنه: (من حيث أتتها الريح تكفؤها، فإذا سكنت اعتدلت، وكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء. ومثل الكافر كمثل الأرزة صماء معتدلة حتى يقصمه الله).
معناه أن المؤمن مرزأ، مصاب بالبلاء والأمراض، راض بتصريفه بين أقدار الله تعالى، منصاع لذلك، لين الجانب برضاه وقلة سخطه، كطاعة خامة الزرع وانقيادها للرياح، وتمايلها لهبوبها وترنحها من حيث ما أتتها، فإذا أزاح الله عن المؤمن رياح البلايا، واعتدل صحيحا كما اعتدلت خامة الزرع عند سكون رياح الجو إلى شكر ربه ومعرفة نعمته عليه برفع بلائة، منتظرا رحمته وثوابه عليه.
فإذا كان بهذه السبيل لم يصعب عليه مرض الموت، ولا نزوله ولا اشتدت عليه سكراته ونزعه، لعادته بما تقدم من الآلام ومعرفة ما له فيها من الأجر، وتوطينه نفسه على المصائب ورقتها وضعفها بتوالي المرض أو شدته، والكافر بخلاف هذا: معافي في غالب