الكمال ويجهل وجودها فيه، فهو في الحقيقة حامد له صلى الله عليه وسلم، وقد اختص صلى الله عليه وسلم من مسمى الحمد بما لم يجتمع لغيره، فإنه اسمه محمد، وأحمد، وأمته الحامدون يحمدون الله - تعالى - على السراء والضراء، وصلاته وصلاة أمته مفتتحة بالحمد، وخطبته مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد، هذا كان عند الله - تعالى - في اللوح المحفوظ، أن خلفاءه وأصحابه يكتبون المصحف مفتتحا بالحمد، وبيده صلى الله عليه وسلم لواء الحمد يوم القيامة، ولما يسجد بين يدي الله - تعالى - للشفاعة، ويؤذن له فيها بحمد ربه، بمحامد يفتحها عليه حينئذ، وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه الأولون والآخرون، وإذا قام في ذلك المقام حمده حينئذ أهل الموقف كلهم، مسلمهم وكافرهم، أولهم وآخرهم، وهو محمود بما ملأ به الأرض من الهدى والإيمان، والعلم النافع، والعمل الصالح، وفتح به القلوب، وكشف به الظلمة عن أهل الأرض واستنقذهم من أسر الشياطين، ومن الشرك والكفر به، حتى نال به أتباعه شرف الدنيا والآخرة، فإن رسالته وافت أهل الأرض أحوج ما كانوا إليها، فإنهم كانوا عباد أو ثان، وعباد صلبان، وعباد نيران، وعباد كواكب، ومغضوب عليهم، باءوا بغضب من الله، وحيران لا يعرف ربا يعبده، ولا بماذا يعبده، والناس يأكل بعضهم بعضا، من استحسن شيئا دعا إليه، وقاتل من خالفه، وليس في الأرض موضع قدم مشرقا بنور الرسالة، وقد نظر الله - تعالى - إلى أهل الأرض، عربهم وعجمهم، إلا بقايا على دين صحيح، وأغاث الله به العباد والبلاد، وكشف به تلك الظلم، وأحيا به الخليقة بعد موتها، وهدى به من الضلالة، وعلم به الجهالة، وكثر به من القلة، وأعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العيلة، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا فعرف الناس ربهم ومصورهم، غاية مما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، وأبدى وأعاد، واختصر وأطنب، في ذكر أسمائه - تعالى - وصفاته، وأفعاله وأحكامه، حتى تجلت معرفته سبحانه في قلوب عباده المؤمنين، وانجابت سحائب الشك والريب، كما تنجاب السحاب عن القمر ليله إبداره، ولم يدع صلى الله عليه وسلم لأمته حاجة في التعريف لا إلى من قبله ولا إلى من بعده، بل كفاهم وشفاهم، وأغناهم عن
(١٧٢)