الروم والسند والهند والترك ولم يسلم منك أخوك المسلم؟ قال: فلم أعد بعدها. وقال الأصمعي عن أبيه: رأيت إياس بن معاوية في بيت ثابت البناني، وإذا هو أحمر طويل الذراع غليظ الثياب، يلون عمامته، وهو قد غلب على الكلام فلا يتكلم معه أحد إلا علاه، وقد قال له بعضهم: ليس فيك عيب سوى كثرة كلامك (1)، فقال: بحق أتكلم أم بباطل؟ فقيل بل بحق، فقال: كلما كثر الحق فهو خير، ولامه بعضهم في لباسه الثياب الغليظة فقال: إنما ألبس ثوبا يخدمني ولا ألبس ثوبا أخدمه، وقال الأصمعي قال إياس بن معاوية: إن أشرف خصال الرجل صدق اللسان، ومن عدم فضيلة الصدق فقد فجع بأكرم أخلاقه. وقال بعضهم: سأل رجل إياسا عن النبيذ فقال: هو حرام، فقال الرجل: فأخبرني عن الماء فقال: حلال، قال: فالكسور، قال: حلال، قال:
فالتمر؟ قال حلال، قال: فما باله إذا اجتمع حرم؟ فقال إياس: أرأيت لو رميتك بهذه الحفنة من التراب أتوجعك؟ قال: لا، قال: فهذه الحفنة من التبن؟ قال لا توجعني، قال: فهذه الغرفة من الماء؟ قال لا توجعني شيئا، قال: أفرأيت إن خلطت هذا بهذا وهذا بهذا حتى صار طينا ثم تركته حتى استحجر ثم رميتك أيوجعك؟ قال: إي والله وتقتلني، قال: فكذلك تلك الأشياء إذا اجتمعت. وقال المدائني: بعث عمر بن عبد العزيز عدي بن أرطاة على البصرة نائبا وأمره أن يجمع بين إياس والقاسم بن ربيعة الجوشني (2)، فأيهما كان أفقه فليوله القضاء، فقال إياس وهو يريد أن لا يتولى: أيها الرجل سل فقيهي البصرة، الحسن وابن سيرين، وكان إياس لا يأتيهما، فعرف القاسم أنه إن سألهما أشارا به - يعني بالقاسم - لأنه كان يأتيهما، فقال القاسم لعدي: والله الذي لا إله إلا هو إن إياسا أفضل مني وأفقه مني، وأعلم بالقضاء، فإن كنت صادقا فوله، وإن كنت كاذبا فما ينبغي أن تولي كاذبا القضاء. فقال إياس: هذا رجل أوقف على شفير جهنم فافتدي منها بيمين كاذبة يستغفر الله، فقال عدي: أما إذ فطنت إلى هذا فقد وليتك القضاء. فمكث سنة يفصل بين الناس ويصلح بينهم، وإذا تبين له الحق حكم به، ثم هرب إلى عمر بن عبد العزيز بدمشق فاستعفاه القضاء، فولى عدي بعده الحسن البصري.
قالوا: لما تولى إياس القضاء بالبصرة فرح به العلماء حتى قال أيوب: لقد رموها بحجرها، وجاءه الحسن وابن سيرين فسلما عليه، فبكى إياس وذكر الحديث (القضاة ثلاثة، قاضيان في النار وواحد في الجنة). فقال الحسن (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) إلى قوله (وكلا آتينا حكما علما) [الأنبياء: 78 - 79] قالوا: ثم جلس للناس في المسجد واجتمع عليه الناس للخصومات، فما قام حتى فصل سبعين قضية، حتى يشبه بشريح القاضي. وروى أنه كان إذا أشكل عليه شئ بعث