الستارة، وقالت له أيضا: يا أمير المؤمنين هل بقي في نفسك من أمر الدنيا شئ؟ قال: أو ما أخبرتك؟ فقالت: هذه حبابة - وأبرزتها له وأخلته بها وتركته وإياها - فحظيت الجارية عنده، وكذلك زوجته أيضا، فقال يوما أشتهي أن أخلو بحبابة في قصر مدة من الدهر، لا يكون عندنا أحد، ففعل ذلك، وجمع إليه في قصره ذلك حبابة، وليس عنده فيه أحد، وقد فرش له بأنواع الفرش والبسط الهائلة، والنعمة الكثيرة السابغة فبينما هو معها في ذلك القصر على أسر حال وأنعم بال، وبين يديهما عنب يأكلان منه، إذ رماها بحبة عنب وهي تضحك فشرقت بها فماتت (1)، فمكث أياما يقبلها ويرشفها وهي ميتة حتى أنتنت وجيفت فأمر بدفنها، فلما دفنها أقام أيام عندها على قبرها هائما، ثم رجع إلى المنزل ثم عاد إلى قبرها فوقف عليه وهو يقول:
فإن تسل عنك النفس أو تدع الصبا (2) * فباليأس تسلو عنك لا بالتجلد وكل خليل زارني فهو قاتل * من أجلك هذا هامة (3) اليوم أو غد ثم رجع فما خرج من منزله حتى خرج بنعشه وكان مرضه بالسل (4). وذلك بالسواد سواد الأردن يوم الجمعة لخمس بقين من شعبان من هذه السنة - أعني سنة خمس ومائة - وكانت خلافته أربع سنين وشهرا على المشهور، وقيل أقل من ذلك، وكان عمره ثلاثا وثلاثين سنة، وقيل خمسا وقيل ستا وقيل ثمانيا وقيل تسعا وثلاثين، وقيل إنه بلغ الأربعين فالله أعلم.
وكان طويلا جسيما أبيض مدور الوجه أفقم الفم لم يشب، وقيل إنه مات بالجولان، وقيل بحوران وصلى عليه ابنه الوليد بن يزيد، وعمره خمس عشرة سنة، وقيل بل صلى عليه أخوه هشام بن عبد الملك، وهو الخليفة بعده، وحمل على أعناق الرجال حتى دفن بين باب الجابية وباب الصغير بدمشق، وكان قد عهد بالامر من بعده لأخيه هشام، ومن بعده لولده الوليد بن يزيد، فبايع الناس من بعده هشاما.