الحكمي في أرض الخزر، فصالحوه وأعطوه الجزية والخراج. وفيها غزا الحجاج بن عبد الملك اللان، فقتل خلقا كثيرا وغنم وسلم. وفيها عزل خالد بن عبد الله القسري عن إمرة خراسان مسلم بن سعيد، وولى عليها أخاه أسد بن عبد الله القسري. وحج بالناس في هذه السنة أمير المؤمنين هشام بن الملك، وكتب إلى أبي الزناد قبل دخوله المدينة ليتلقاه ويكتب له مناسك الحج، ففعل، فتلقاه الناس من المدينة إلى أثناء الطريق، وفيهم أبو الزناد قد امتثل ما أمر به، وتلقاه فيمن تلقاه سعيد بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان، فقال له: يا أمير المؤمنين إن أهل بيتك في مثل هذه المواطن الصالحة لم يزالوا يلعنون أبا تراب، فالعنه أنت أيضا، قال أبو الزناد: فشق ذلك على هشام واستثقله، وقال: ما قدمت لشتم أحد، ولا لعنة أحد، إنما قدمنا حجاجا. ثم أعرض عنه وقطع كلامه وأقبل على أبي الزناد يحادثه ولما انتهى إلى مكة عرض له إبراهيم بن طلحة فتظلم إليه في أرض، فقال له: أين كنت عن عبد الملك؟ قال: ظلمني، قال: فالوليد؟ قال: ظلمني، قال: فسليمان؟ قال: ظلمني، قال فعمر بن عبد العزيز؟ قال ردها علي، قال: فيزيد؟ قال:
انتزعها من يدي، وهي الآن في يدك، فقال له هشام: أما لو كان فيك مضرب لضربتك، فقال:
بل في مضرب بالسوط والسيف، فانصرف عنه هشام وهو يقول لمن معه: ما رأيت أفصح من هذا.
وفيها كان العامل على مكة والمدينة والطائف، إبراهيم بن هشام بن إسماعيل، وعلى العراق وخراسان خالد القسري والله سبحانه أعلم.
وممن توفي فيها: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أبو عمرو الفقيه، أحد الفقهاء وأحد العلماء.
وله روايات عن أبيه وغيره، وكان من العباد الزهاد، ولما حج هشام بن عبد الملك دخل الكعبة فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال له: سالم؟ (1) سلني حاجة، فقال: إني لأستحي من الله أن أسأل في بيته غيره، فلما خرج سالم خرج هشام في أثره فقال له: الآن قد خرجت من بيت الله فسلني حاجة، فقال سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ قال: من حوائج الدنيا، فقال سالم:
إني ما سألت الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟ وكان سالم خشن العيش، يلبس الصوف الخشن، وكان يعالج بيده أرضا له وغيرها من الأعمال، ولا يقبل من الخلفاء، وكان متواضعا وكان شديد الأدمة وله من الزهد والورع شئ كثير.
وطاوس بن كيسان اليماني من أكبر أصحاب ابن عباس وقد ترجمناهم في كتابنا التكميل ولله الحمد انتهى وقد زدنا هنا في ترجمة سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب زيادة حسنة. فأما طاوس فهو أبو عبد الرحمن طاوس بن كيسان اليماني (2)، فهو أول طبقة أهل اليمن من التابعين، وهو من أبناء الفرس الذين أرسلهم كسرى إلى اليمن.