منك فإن الأمير سيكسوك ويحسن إليك. قال: فخرج بها حتى قدم على طاوس الجند، فقال: يا أبا عبد الرحمن نفقة بعث بها الأمير إليك، فقال: ما لي بها من حاجة، فأراده على أخذها بكل طريق فأبى أن يقبلها، فغفل طاوس فرمى بها الرجل من كوة في البيت ثم ذهب راجعا إلى الأمير، وقال:
قد أخذها، فمكثوا حينا ثم بلغهم عن طاوس ما يكرهون - أو شئ يكرهونه - فقالوا: ابعثوا إليه فليبعث إلينا بمالنا، فجاءه الرسول فقال: المال الذي بعثه إليك الأمير رده إلينا، فقال: ما قبضت منه شيئا، فرجع الرسول إليهم فأخبرهم، فعرفوا أنه صادق، فقالوا: انظروا الذي ذهب بها إليه، فأرسلوه إليه، فجاءه فقال: المال الذي جئتك به يا أبا عبد الرحمن، قال: هل قبضت منك شيئا؟ قال: لا! قال: فقام إلى المكان الذي رمى به فيه فوجدها كما هي، وقد بنت عليها العنكبوت، فأخذها فذهب بها إليهم.
ولما حج سليمان بن عبد الملك قال: انظروا إلي فقيها أسأله عن بعض المناسك، قال: فخرج الحاجب يلتمس له، فمر طاوس فقالوا: هذا طاوس اليماني، فأخذه الحاجب فقال: أجب أمير المؤمنين، فقال: اعفني، فأبى، فأدخله عليه، قال طاوس: فلما وقفت بين يديه قلت: إن هذا المقام يسألني الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين إن صخرة كانت على شفير جهنم هوت فيها سبعين خريفا حتى استقرت في قرارها، أتدري لمن أعدها الله؟ قال: لا!! ويلك لمن أعدها الله؟ قال:
لمن أشركه الله في حكمه فجار. وفي رواية ذكرها الزهري أن سليمان رأى رجلا يطوف بالبيت، له جمال وكمال، فقال: من هذا يا زهري؟ فقلت: هذا طاوس، وقد أدرك عدة من الصحابة، فأرسل إليه سليمان فأتاه فقال: لو ما حدثتنا؟ فقال: حدثني أبو موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن أهون الخلق على الله عز وجل من ولي من أمور المسلمين شيئا فلم يعدل فيهم ". فتغير وجه سليمان فأطرق طويلا ثم رفع رأسه إليه فقال: لو ما حدثتنا؟ فقال: حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - قال ابن شهاب: ظننت أنه أراد عليا - قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام في مجلس من مجالس قريش، ثم قال: " إن لكم على قريش حقا، ولهم على الناس حق، ما إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا ائتمنوا أدوا، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ". قال: فتغير وجه سليمان وأطرق طويلا ثم رفع رأسه إليه وقال: لو ما حدثتنا؟ فقال: حدثني ابن عباس أن آخر آية نزلت من كتاب الله: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) [البقرة: 281].
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبو معمر، عن ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة قال: قال عمر بن عبد العزيز لطاوس: ارفع حاجتك إلى أمير المؤمنين - يعني سليمان - فقال طاوس مالي إليه من حاجة، فكأنه عجب من ذلك، قال سفيان وحلف لنا إبراهيم وهو مستقبل الكعبة:
ورب هذا البيت ما رأيت أحدا الشريف والوضيع عنده بمنزلة واحدة إلا طاوس. قال: وجاء ابن