من كل بدنة بضعة ووضعت في قدر وطبخت حتى نضجت فأكل من ذلك اللحم وشرب من ذلك المرق. وفي غبون (1) ذلك حلق رأسه عليه السلام وتطيب، فلما فرغ من هذا كله ركب إلى البيت وقد خطب عليه السلام في هذا اليوم خطبة عظيمة ولست أدري أكانت قبل ذهابه إلى البيت أو بعد رجوعه منه إلى منى. فالله أعلم. والقصد أنه ركب إلى البيت فطاف به سبعة أطواف راكبا ولم يطف بين الصفا والمروة كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر وعائشة رضي الله عنهما، ثم شرب من ماء زمزم، ومن نبيذ تمر من ماء زمزم. فهذا كله مما يقوي قول من قال: إنه عليه السلام صلى الظهر بمكة كما رواه جابر. ويحتمل أنه رجع إلى منى في آخر وقت الظهر فصلى بأصحابه بمنى الظهر أيضا. وهذا هو الذي أشكل على ابن حزم، فلم يدر ما يقول فيه وهو معذور لتعارض الروايات الصحيحة فيه. والله أعلم. وقال أبو داود: ثنا علي بن بحر وعبد الله بن سعيد المعني. قالا:
ثنا أبو خالد الأحمر، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة.
قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات، ويكبر مع كل حصاة. قال ابن حزم: فهذا جابر وعائشة قد اتفقا على أنه عليه السلام صلى الظهر يوم النحر بمكة وهما والله أعلم أضبط لذلك من ابن عمر. كذا قال وليس بشئ فإن رواية عائشة هذه ليست ناصة أنه عليه السلام صلى الظهر بمكة، بل محتملة إن كان كان المحفوظ في الرواية: حتى صلى الظهر، وإن كانت الرواية حين صلى الظهر. وهو الأشبه فإن ذلك دليل على أنه عليه السلام صلى الظهر بمنى قبل أن يذهب إلى البيت وهو محتمل والله سبحانه وتعالى أعلم. وعلى هذا فيبقى مخالفا لحديث جابر فإن هذا يقتضي أنه صلى الظهر بمنى قبل أن يركب إلى البيت وحديث جابر يقتضي أنه ركب إلى البيت قبل أن يصلي الظهر وصلاها بمكة. وقد قال البخاري: وقال أبو الزبير عن عائشة وابن عباس أخر النبي صلى الله عليه وسلم - يعني طواف الزيارة إلى الليل - وهذا والذي علقه البخاري فقد رواه الناس من حديث يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، وفرج بن ميمون، عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن عائشة وابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الطواف يوم النحر إلى الليل. ورواه أهل السنن الأربعة من حديث سفيان به. وقال الترمذي حسن. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله، ثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن عائشة وابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار ليلا. فإن حمل هذا على أنه أخر ذلك إلى ما بعد الزوال كأنه يقول إلى العشي صح ذلك. وأما إن حمل على ما بعد الغروب فهو بعيد جدا ومخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة من أنه عليه السلام طاف يوم النحر نهارا، وشرب من سقاية زمزم. وأما الطواف الذي ذهب في الليل إلى البيت بسببه فهو طواف الوداع. ومن الرواة من يعبر عنه بطواف الزيارة كما سنذكره إن شاء الله. أو طواف زيارة محضة قبل طواف الوداع وبعد طواف الصدر الذي هو طواف الفرض. وقد ورد حديث