حرير] (1) فإذا فيه، أما بعد، فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدر هوان، ولا مضيعة، فالحق بنا نواسيك. فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها فأقمنا على ذلك حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك (2)، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الامر. قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية إلى رسول الله فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه، قال " لا ولكن لا يقربك " قالت إنه والله ما به حركة إلى شئ، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله في امرأتك كما استأذن هلال بن أمية أن تخدمه، فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله، وما يدريني ما يقول رسول الله إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب، قال: فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله عن كلامنا، فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع [يقول] بأعلى صوته: يا كعب أبشر، فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله [للناس] بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض رجل إلي فرسا، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين (3) فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة، يقولون:
ليهنك توبة الله عليك. قال كعب: حتى دخلت المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك " قال قلت: أمن عندك يا رسول الله أم عند الله؟ قال " لا بل من عند الله " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه. قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله " أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك " قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، وقلت يا رسول الله إن الله إنما نجاني