بعث عليا إلى جزية موضوعة.
قلت: هذا السياق أقرب من سياق البيهقي وذلك إن عليا سبقهم لأجل الحج، وساق معه هديا وأهل باهلال النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يمكث حراما وفي رواية البراء بن عازب أنه قال له: إني سقت الهدي وقرنت. والمقصود أن عليا لما كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه، وعلي معذور فيما فعل، لكن اشتهر الكلام فيه في الحجيج. فلذلك والله أعلم لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجته، وتفرغ من مناسكه ورجع إلى المدينة، فمر بغدير خم قام في الناس خطيبا فبرأ ساحة علي ورفع من قدره ونبه على فضله ليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس، وسيأتي هذا مفصلا في موضعه إن شاء الله وبه الثقة.
وقال البخاري: ثنا قتيبة، ثنا عبد الواحد، عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة، حدثني عبد الرحمن بن أبي نعم، سمعت أبا سعيد الخدري يقول: بعث علي بن أبي طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها. قال: فقسمها بين أربعة، بين عيينة بن بدر (1)، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل (2). فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء " قال: فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار. فقال:
يا رسول الله اتق الله! فقال: ويلك أو لست أحق الناس (3) أن يتقي الله؟ قال: ثم ولى الرجل قال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: لا لعله أن يكون يصلي قال خالد:
وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أومر أن انقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم. قال: ثم نظر إليه وهو مقف فقال: " إنه يخرج من ضئضئي (4) هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " - أظنه قال: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود (3) -. وقد رواه البخاري في مواضع أخر من كتابه ومسلم في كتاب الزكاة من صحيحه من طرق متعددة إلى عمارة بن القعقاع به.
ثم قال الإمام أحمد: ثنا يحيى عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري عن