سلم فقد يحمل على من وكل على أفعال متعددة، ففعل الأول منها بالإذن فيه قاصدا به انشاء قبول الوكالة فيكون صحته مستندة إلى الإذن لا الوكالة، وما بعده من الأفعال إلى الوكالة.
ومن الغريب ما في المسالك من تأييد قوله بحكم الأصحاب بانعزال الوكيل بعزله نفسه الذي لا اشكال في ابتنائه على العقدية، وإلا فالإذن المجردة عنه لا ينعزل المأذون بها بعزله نفسه، بل لو أراد العود إلى فعله جاز له الفعل نحو إباحة الطعام مع جهل الإذن، بل ومع علمه الذي لا ينافي بقاؤها في ثاني حال المأذون.
إذ هو كما ترى، ضرورة أن الأصحاب لم يذكر وإلا انعزال الوكيل بعزله نفسه، والوكالة غير منحصرة في هذا الفرد الذي اكتفى العلامة في القبول، لما عرفت وتأييده حينئذ بتصريح المصنف وغيره من الأصحاب بكونه وكالة أولى من تأييده بالحكم المزبور الذي له مورد غير هذا على وجه لا ينافي الوكالة فيه، واجراء حكم الإذن عليه كما هو واضح بأدنى تأمل.
وقد تلخص بما ذكرناه في المقام وفي الوديعة والعارية أن الوكالة من العقود بالمعني الأعم الشامل للمعاطاة التي يقصد فيها ما يقصد بالعقد ولم تفقد سوى صيغته بناء على شرعيتها فيها وكالة، فإن السيرة فيها أقوى من السيرة فيها في البيع ونحوه من العقود اللازمة وحينئذ فما كان منها على كيفية غيرها من العقود من ألفاظ ايجاب وألفاظ قبول كانت وكالة عقدية، وإلا كانت وكالة معاطاتية.
نعم فيما كان ايجاب لفظي وقبول فعلي منها البحث السابق في أنه من العقد أو المعاطاة، وقد ذكرنا سابقا أنه إن قام إجماع على أنه من العقد وإلا فهو معاطاة الإذن ضرورة معلومية كون العقد اسما للألفاظ من غير فرق بين الجائز واللازم.
نعم ربما فرقوا بينهما باعتبار الصيغ المخصوصة في الأول دون الثاني، وقد تقدم لنا المناقشة في ذلك غير مرة إن لم يكن اجماعا، وقلنا يكفي فيهما كل عبارة صالحة لانشاء الدلالة على ذلك، إذا كانت جارية مجرى الخطاب الصحيح.