(وأما المساقاة) {فهي} جائزة بالاجماع من علمائنا وأكثر العامة، خلافا لأبي حنيفة وزفر، فأنكراها للجهالة والغرر، ولا ريب في ضعفه، لنصوص المروية من الطرفين في قصة خيبر (1) وغيرها، بل لعلها من طرقنا متواترة أو مقطوع بمضمونها.
نعم ليس في شئ منها تصريح بلفظ المساقاة، إلا أنها دالة صريحا أو ظاهرا على مشروعية {معاملة على} سقي {أصول ثابتة} بالثاء المثلثة أو بالنون كالنخل والشجر {بحصة من حاصلها} ولا نعني بالمساقاة إلا ذلك.
بل أطنب بعض الأفاضل في أن تسمية هذه المعاملة بالمساقاة إصلاح جديد حدث بعد زمان الشارع، بل قال: إنه بعد زمان الصحابة والتابعين، فإن المساقاة في اللغة كما صرح به في القواعد وغيره مفاعلة من السقي، كما يقتضيه اشتقاق الصيغة ولم يذكر أحد من اللغويين ورود المساقاة في اللغة بالمعنى الذي ذكره الفقهاء، ولا وجدنا ذلك في استعمالات العرب، ولو كان ثابتا لذكره أهل اللغة، كما ذكروا المزارعة وغيرها من ألفاظ المعاملات الثابتة في اللغة، ونقلها إلى هذا المعنى في عرف الشارع أو الأئمة عليهم السلام غير ثابت، إذ لا ذكر للمساقاة في الكتاب والسنة، ولا في الأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام، ولذا لم يعقد أحد من أصحاب الحديث كالكليني والصدوق بابا للمساقاة، وإنما أوردوا الأحاديث المتعلقة بها في باب المزارعة، والنقل إلى المعنى فرع الاستعمال فيه، فما لم يثبت الاستعمال لم يثبت النقل، وثبوته عند الفقهاء إنما يقتضي الحقيقة الشرعية على القول بثبوتها لو ثبت استعمال الشارع إياها في المعنى المعروف، لا مطلقا، إذ لا ريب في أن للفقهاء والمتكلمين والأصوليين اصطلاحات كثيرة، ليست بحقائق شرعية فلا يلزم من كون المساقاة حقيقة في هذا المعنى في عرف