وحينئذ يكون العقد الجائز واللازم بالنسبة إلى ذلك على حد سواء كما أن الوكالة حينئذ إما عقد أو معاطاة عقد إن قلنا بشرعيتها فيها وكالة، وما وقع من بعض متأخري المتأخرين - ممن لا يبالي بما هو كالضروري عند الأصحاب من انكار كون الوكالة من سنخ العقود أصلا - لا ينبغي الاصغاء إليه، بل تسويد الورق في رده من السرف والتبذير.
نعم لا إشكال بل ولا خلاف في مشروعية الإذن والأمر اللذين يترتب عليهما صحة الأفعال الواقعة عنهما وليسا من الوكالة في شئ لعدم العقد لفظا فيهما وعدم قصد معناه الذي هو الربط بين الايجابية والقبولية، بل هما مجرد رخصة وأمر وإذن وإعلام في الفعل ويترتب عليه صحة الفعل المأمور به نحو الفعل الموكل فيه، وبذلك يظهر لك التشويش في جملة من كلمات الأصحاب الذين لم يحرروا ذلك بهذا التحرير.
{و} لعل منه ما ذكروه في باب الوكالة من أنه {لو تأخر القبول عن الايجاب} فيها {لم يقدح في الصحة} ولو إلى سنة فصاعدا مستدلين عليه بمعلومية الصحة نصا وفتوى {ف} ي {إن الغائب يوكل و} لا ريب في أن {القبول يتأخر} وبالنصوص المتضمنة للأمر لأشخاص في بلاد نائية بإنفاذ طلاق وتزويج وبيع وشراء ونحو ذلك.
ولكن فيه: إنا لم نجد في شئ منها ما يقتضي كونه وكالة، بل يمكن أن يكون جميعه من باب الأمر والاعلام والإذن ونحو ذلك، فلا ينبغي أن يستفاد منه صحة تأخير القبول في الوكالة حتى في الحاضر الذي يقول لآخر وكلتك أو أنت وكيلي فيسكت ثم يقول بعد سنة مثلا قبلت مما هو غير جار مجرى الخطاب العربي فلا ينبغي التأمل في فساد الاستدلال المزبور.
نعم إن تم إجماعهم ولا أظنه بل ظني عدمه خصوصا بعد عدم تحرير هم البحث كما ذكرناه - كان هو الحجة وإلا كان مقطوعا بفساده، وما يقع من الغائبين حينئذ بعضهم مع بعض كله من الإذن والأمر، والله العالم بحقيقة الحال.