الطير، وإذا أصابوا سارقا أو لصا جاؤوا به إلى شجرة طويلة غليظة وشدوا في عنقه حبلا وثيقا وعلقوه فيها ويبقى معلقا حتى ينقطع من المكث إما بالرياح أو الأمطار، وكان يقال لي: إنهم كان يقال لي: إنهم كانوا يفعلون برؤوسائهم عند الموت أمورا أقلها الحرق، فكنت أحب أن أقف على ذلك حتى بلغني موت رجل منهم جليل فجعلوه في قبره وسقفوا عليه عشرة أيام حتى فرغوا من قطع ثيابه وخياطتها، وذلك أن الرجل الفقير منهم يعملون له سفينة صغيرة ويجعلونه فيها ويحرقونها، والغنى يجمعون ماله ويجعلونه ثلاثة أثلاث: فثلث لأهله وثلث يقطعون له به ثيابا وثلث يشترون به نبيذا يشربونه يوم تقتل جاريته نفسها وتحرق مع مولاها، وهم مستهترون بالخمر يشربونها ليلا ونهارا، وربما مات الواحد منهم والقدح في يده، وإذا مات الرئيس منهم قال أهله لجواريه وغلمانه:
من منكم يموت معه؟ فيقول بعضهم: أنا، فإذا قال ذلك فقد وجب عليه لا يستوى له أن يرجع أبدا، ولو أراد ذلك ما ترك، وأكثر ما يفعل هذا الجواري، فلما مات ذلك الرجل الذي قدمت ذكره قالوا لجواريه: من يموت معه؟ فقالت إحداهن:
أنا، فوكلوا بها جاريتين تحفظانها وتكونان معها حيث ما سلكت حتى إنهما ربما غسلتا رجليها بأيديهما، وأخذوا في شأنه وقطع الثياب له وإصلاح ما يحتاج إليه والجارية في كل يوم تشرب وتغني فارحة مستبشرة، فلما كان اليوم الذي يحرق فيه هو والجارية حضرت إلى النهر الذي فيه سفينته فإذا هي قد أخرجت وجعل لها أربعة أركان من خشب الخلنج وغيره وجعل حولها أيضا مثل الأناس الكبار من الخشب ثم مدت حتى جعلت على ذلك الخشب وأقبلوا يذهبون وبجيئون ويتكلمون بكلام لا افهمه وهو بعد في قبره لم يخرجوه ثم جاؤوا بسرير فجعلوه على السفينة وغشوه بالمضربات الديباج الرومي والمساند الديباج الرومي ثم جاءت امرأة عجوز يقولون لها ملك الموت ففرشت على السرير الذي ذكرناه، وهي وليت خياطته واصلاحه، وهي تقتل الجواري، ورأيتها حواء نيرة ضخمة مكفهرة، فلما وافوا قبره نحوا التراب عن ونحوا الخشب واستخرجوه في الازار الذي مات فيه فرأيته قد اسود لبرد البلد، وقد كانوا جعلوا معه في قبره نبيذا وفاكهة وطنبورا فأخرجوا جميع ذلك وإذا هو لم يتغير منه شئ غير لونه، فالبسوه سراويل ورانا وخفا قرطقا وخفتان ديباج له إزرار ذهب وجعلوا على رأسه قلنسوة من ديباج سمور وحملوه حتى أدخلوه القبة التي على السفينة وأجلسوه على المضربة وأسندوه بالمساند وجاؤوا بالنبيذ والفواكه والريحان فجعلوه معه وجاؤوا بخبز ولحم وبصل فطرحوه بين يديه وجاؤوا بكلب فقطعوه نصفين وألقوه في السفينة ثم جاؤوا بجميع سلاحه فجعلوه إلى جانبه ثم أخذوا دابتين فأجروهما حتى عرقتا ثم قطعوهما بالسيوف وألقوا لحمهما في السفينة ثم جاؤوا ببقرتين فقطعوهما وألقوا لحمهما في السفينة ثم أحضروا ديكا ودجاجة فقتلوهما وطرحوهما فيها والجارية التي تقتل ذاهبة وجائية تدخل قبة قبة من قبابهم فيجامعها واحد واحد، وكل واحد يقول لها: قولي لمولاك إنما فعلت هذا من محبتك، فلما كان وقت العصر من يوم الجمعة جاؤوا بالجارية إلى شئ عملوه مثل ملبن الباب فوضعت رجلها على أكف الرجال وأشرفت على ذلك الملبن وتكلمت بكلام لها، فأنزلوها ثم أصعدوها ثانية ففعلت كفعلها في المرة الأولى ثم أنزلوها وأصعدوها ثالثة ففعلت فعلها في المرتين ثم