يتكلمون بالعربية القديمة لا يعرفون غيرها ويكتبون بالحميرية ولا يعرفون قلمنا، يعبدون الأصنام، وملكهم من أهل بيت منهم لا يخرجون الملك من أهل ذلك البيت، ولهم أحكام، وحظر الزنا والفسق، ولهم شراب جيد من التمر، وملكهم يهادي ملك الصين، فسرنا فيهم شهرا في خوف وتغرير، ثم انتهينا إلى مقام الباب، وهو بلد في الرمل تكون حجية الملك، وهو ملك الصين، ومنه يستأذن لمن يريد دخول بلد الصين من قبائل الترك وغيرهم، فسرنا فيه ثلاثة أيام في ضيافة الملك يغير لنا عند رأس كل فرسخ مركوب، ثم انتهينا إلى وادي المقام فاستؤذن لنا منه وتقدمنا الرسل فاذن لنا بعد أن أقمنا بهذا الوادي، وهو أنزه بلاد الله وأحسنها، ثلاثة أيام في ضيافة الملك، ثم عبرنا الوادي وسرنا يوما تاما فأشرفنا على مدينة سندابل، وهي قصبة الصين وبها دار المملكة، فبتنا على مرحلة منها، ثم سرنا من الغد طول نهارنا حتى وصلنا إليها عند المغرب، وهي مدينة عظيمة تكون مسيرة يوم ولها ستون شارعا ينفذ كل شارع منها إلى دار الملك، ثم سرنا إلى باب من أبوابها فوجدنا ارتفاع سورها تسعين ذراعا وعرضه تسعين ذراعا وعلى رأس السور نهر عظيم يتفرق على ستين جزاء كل جزء منها ينزل على باب من الأبواب تتلقاه رحى تصبه إلى ما دونها ثم إلى غيرها حتى يصب في الأرض ثم يخرج نصفه تحت السور فيسقي البساتين ويرجع نصفه إلى المدينة فيسقي أهل ذلك الشارع إلى دار الملك ثم يخرج في الشارع الآخر إلى خارج البلد فكل شارع فيه نهران وكل خلاء فيه مجريان كل واحد يخالف صاحبه، فالداخل يسقيهم والخارج يخرج بفضلاتهم، ولهم بيت عبادة عظيم، ولهم سياسة عظيمة وأحكام متقنة، وبيت عبادتهم يقال إنه أعظم من مسجد بيت المقدس وفيه تماثيل وتصاوير وأصنام وبد عظيم، وأهل البلد لا يذبحون ولا يأكلون اللحوم أصلا، ومن قتل منهم شيئا من الحيوان قتل، وهي دار مملكة الهند والترك معا، ودخلت على ملكهم فوجدته فائقا في فنه كاملا في رأيه فخاطبه الرسل بما جاؤوا به من تزويجه ابنته من نوح بن نصر فأجابهم إلى ذلك وأحسن إلي وإلى الرسل وأقمنا في ضيافته حتى نجزت أمور المرأة وتم ما جهزها به ثم سلمها إلى مائتي خادم وثلاثمائة جارية من خواص خدمه وجواريه وحملت إلى خراسان إلى نوح بن نصر فتزوج بها، قال: وبلغنا أن نصرا عمل قبره قبل وفاته بعشرين سنة، وذلك أنه حد له في مولده مبلغ عمره ومدة انقضاء أجله وأن موته يكون بالسل وعرف اليوم الذي يموت فيه، فخرج يوم موته إلى خارج بخارى وقد أعلم الناس أنه ميت في يومه ذلك وأمرهم أن يتجهزوا له بجهاز التعزية والمصيبة ليتصورهم بعد موته بالحال التي يراهم بها، فسار بين يديه ألوف من الغلمان الأتراك المرد وقد ظاهروا اللباس بالسواد وشقوا عن صدورهم وجعلوا التراب على رؤوسهم ثم تبعهم نحو ألفي جارية من أصناف الرقيق مختلفي الأجناس واللغات على تلك الهيئة ثم جاء على آثارهم عامة الجيش والأولياء يجنبون دوابهم ويقودون قودهم وقد خالفوا في نصب سروجها عليها وسودوا نواصيها وجباهها حاثين التراب على رؤوسهم واتصلت بهم الرعية والتجار في غم وحزن وبكاء شديد وضجيج يقدمهم أولادهم ونساؤهم ثم اتصلت بهم الشاكرية والمكارون والحمالون على فرق منهم قد غيروا زيهم، وشهر نفسه بضرب من اللباس، ثم جاء أولاده يمشون بين يديه حفاة حاسرين والتراب على رؤوسهم وبين أيديهم وجوه كتابه وجلة خدمه ورؤساؤه وقواده، ثم أقبل القضاة والمعدلون والعلماء
(٤٤٤)