ورآه في بلاد الترك والصين والهند قال: إني لما رأيتكما يا سيدي، أطال الله بقاءكما، لهجين بالتصنيف مولعين بالتأليف أحببت أن لا أخلي دستور كما وقانون حكمتكما من فائدة وقعت إلى مشاهدتها وأعجوبة رمت بي الأيام إليها ليروق معنى ما تتعلمانه السمع ويصبو إلى استيفاء قراءته القلب، وبدأت بعد حمد الله والثناء على أنبيائه بذكر المسالك المشرقية واختلاف السياسة فيها وتباين ملكها وافتراق أحوالها وبيوت عبادتها وكبرياء ملوكها وحكوم قوامها ومراتب أولي الأمر والنهي لديها لان معرفة ذلك زيادة في البصيرة واجبة في السيرة قد حض الله تعالى عليها أولي التيقظ والاعتبار وكلفه أهل العقول والابصار فقال، جل اسمه: أفلم يسيروا في الأرض، فرأيت معاونتكما لما وشج بيننا من الأخاء وتوكد من المودة والصفاء، ولما نبا بي وطني ووصل بي السير إلى خراسان ضاربا في الأرض أبصرت ملكها والموسوم بإمارتها نصر بن أحمد السامان، عظيم الشأن كبير السلطان يستصغر في جنبه أهل الطول وتخف عنده موازين ذوي القدرة والحول، ووجدت عنده رسل قالين بن الشخير ملك الصين راغبين في مصاهرته طامعين في مخالطته يخطبون إليه ابنته فأبى ذلك واستنكره لحظر الشريعة له، فلما أبى ذلك راضوه على أن يزوج بعض ولده ابنة ملك الصين فأجاب إلى ذلك فاغتنمت قصد الصين معهم فسلكنا بلد الأتراك فأول قبيلة وصلنا إليها بعد أن جاوزنا خراسان وما وراء النهر من مدن الاسلام قبيلة في بلد يعرف بالخركاه فقطعناها في شهر نتغذى بالبر والشعير، ثم خرجنا إلى قبيلة تعرف بالطخطاخ تغذينا فيها بالشعير والدخن وأصناف من اللحوم والبقول الصحراوية فسرنا فيها عشرين يوما في أمن ودعة يسمع أهلها لملك الصين ويطيعونه ويؤدون الإتاوة إلى الخركاه لقربهم إلى الاسلام ودخولهم فيه وهم يتفقون معهم في أكثر الأوقات على غزو من بعد عنهم من المشركين، ثم وصلنا إلى قبيلة تعرف بالبجا فتغذينا فيهم بالدخن والحمص والعدس وسرنا بينهم شهرا في أمن ودعة، وهم مشركون ويؤدون الإتاوة إلى الطخطاخ ويسجدون لملكهم ويعظمون البقر ولا تكون عندهم ولا يملكونها تعظيما لها، وهو بلد كثير التين والعنب والزعرور الأسود وفيه ضرب من الشجر لا تأكله النار، ولهم أصنام من ذلك الخشب، ثم خرجنا إلى قبيلة تعرف بالبجناك طوال اللحى أولو أسبلة همج يغير بعضهم على بعض ويفترش الواحد المرأة على ظهر الطريق، يأكلون الدخن فقط، فسرنا فيهم اثني عشر يوما وأخبرنا أن بلدهم عظيم مما يلي الشمال وبلد الصقالبة ولا يؤدون الخراج إلى أحد، ثم سرنا إلى قبيلة تعرف بالجكل يأكلون الشعير والجلبان والحوم الغنم فقط ولا يذبحون الإبل ولا يقتنون البقر ولا تكون في بلدهم، ولباسهم الصوف والفراء لا يلبسون غيرهما، وفيهم نصارى قليل، وهم صباح الوجوه يتزوج الرجل منهم بابنته وأخته وسائر محارمه، وليسوا مجوسا ولكن هذا مذهبهم في النكاح، يعبدون سهيلا وزحل والجوزاء وبنات نعش والجدي ويسمون الشعرى اليمانية رب الأرباب، وفيهم دعة ولا يرون الشر، وجميع من حولهم من قبائل الترك يتخطفهم ويطمع فيهم، وعندهم نبات يعرف بالكلكان طيب الطعام يطبخ مع اللحم، وعندهم معادن البازهر وحياة الحبق، وهي بقر هناك، ويعملون من الدم والذاذي البري نبيذا يسكر سكرا شديدا، وبيوتهم من الخشب والعظام، ولا ملك لهم، فقطعنا بلدهم في أربعين يوما في أمن وخفض ودعة، ثم خرجنا إلى قبيلة
(٤٤١)