ففشا الموت فيها من نتنه فعمد ذلك الفيلسوف فجبا من أهل تلك القرى مالا عظيما واشترى به ملحا ثم أمر أهل تلك القرى أن يحملوه ويلقوه عليه ففعلوا ذلك حتى بطلت رائحته وكف الموتان عنهم، وروى عن بعضهم أنه قصد موضعا سقط فيه فوجد طوله نحو الفرسخين وعرضه فرسخ ولونه مثل لون النمر مفلس كفلوس السمك وله جناحان عظيمان كهيئة أجنحة السمك ورأسه مثل التل العظيم شبه رأس الانسان وله أذنان مفرطتا الطول وعينان مدورتان كبيرتان جدا ويتشعب من عنقه ستة أعناق طول كل عنق منها عشرون ذراعا في كل عنق رأس كرأس الحية، قلت: هذه صفة فاسدة لأنه قال أولا رأس كرأس الانسان ثم قال ستة رؤوس كرؤوس الحية، وقد نقلته كما وجدته ولكن تركه أولى، ومن مشهور الاخبار حديث سلام الترجمان قال: إن الواثق بالله رأى في المنام أن السد الذي بناه ذو القرنين بيننا وبين يأجوج ومأجوج مفتوح، فأرعبه هذا المنام فأحضرني وأمرني بقصده والنظر إليه والرجوع إليه بالخبر، فضم إلى خمسين رجلا ووصلني بخمسة آلاف دينار وأعطاني ديني عشرة آلاف درهم ومائتي بغل تحمل الزاد والماء، قال:
فخرجنا من سر من رأى بكتاب منه إلى إسحاق ابن إسماعيل صاحب أرمينية وهو بتفليس يؤمر فيه بإنفاذنا وقضاء حوائجنا ومكاتبة الملوك الذين في طريقنا بتيسيرنا، فلما وصلنا إليه قضى حوائجنا وكتب إلى صاحب السرير وكتب لنا صاحب السرير إلى ملك اللان وكتب ملك اللان إلى فيلانشاه وكتب لنا فيلانشاه إلى ملك الخزر فوجه ملك الخزر معنا خمسة من الادلاء فسرنا ستة وعشرين يوما فوصلنا إلى أرض سوداء منتنة الرائحة وكنا قد حملنا معنا خلا لنشمه من رائحتها بإشارة الادلاء، فسرنا في تلك الأرض عشرة أيام ثم صرنا إلى مدن خراب فسرنا فيها سبعة وعشرين يوما فسألنا الادلاء عن سبب خراب تلك المدن فقالوا: خربها يأجوج ومأجوج، ثم صرنا إلى حصن بالقرب من الجبل الذي السد في شعب منه فجزنا بشئ يسير إلى حصون أخر فيها فوم يتكلمون بالعربية والفارسية وهم مسلمون يقرؤون القرآن ولهم مساجد وكتاتيب، فسألونا من أين أقبلتم وأين تريدون، فأخبرناهم أنا رسل أمير المؤمنين، فأقبلوا يتعجبون من قولنا ويقولون: أمير المؤمنين! فنقول:
نعم، فقالوا: أهو شيخ أم شاب؟ قلنا: شاب، قالوا: وأين يكون؟ قلنا: بالعراق في مدينة يقال لها سر من رأى، قالوا: ما سمعنا بهذا قط، ثم ساروا معنا إلى جبل أملس ليس عليه من النبات شئ وإذا هو مقطوع بواد عرضه مائة وخمسون ذراعا، وإذا عضادتان مبنيتان مما يلي الجبل من جنبي الوادي عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعا الظاهر من تحتها عشرة أذرع خارج الباب، وكله مبنى بلبن حديد مغيب في نحاس في سمك خمسين ذراعا، وإذا دروند حديد طرفاه في العضادتين طوله مائة وعشرون ذراعا قد ركب على العضادتين على كل واحد مقدار عشرة أذرع في عرض خمسة أذرع، وفوق الدروند بناء بذلك اللبن الحديد والنحاس إلى رأس الجبل، وارتفاعه مد البصر، وفوق ذلك شرف حديد في طرف كل شرفة قرنان ينثني كل واحد إلى صاحبه، وإذا باب حديد بمصراعين مغلقين عرض كل مصراع ستون ذراعا في ارتفاع سبعين ذراعا في ثخن خمسة أذرع وقائمتاها في دوارة على قدر الدروند، وعلى الباب قفل طوله سبعة أذرع في غلظ باع، وارتفاع القفل من الأرض خمسة وعشرون ذراعا وفوق القفل نحو خمسة أذرع