وأنشأت تحتج للمسلمين على ملحديها وكفارها صحون تسافر فيها العيون إذا ما تجلت لأبصارها وقبة ملك كأن النجوم تضئ إليها بأسرارها نظمن الفسافس نظم الحلي لعون النساء وأبكارها لو أن سليمان أدت له شياطينه بعض أخبارها لأيقن أن بنى هاشم يقدمها فضل أخطارها وقال الحسين بن الضحاك:
سر من را أسر من بغداد، فاله عن بعض ذكرها المعتاد حبذا مسرح لها ليس يخلو أبدا من طريدة وطراد ورياض كأنما نشر الزهر عليها محبر الابراد واذكر المشرف المطل من ال - تل على الصادرين والوراد وإذا روح الرعاء فلا تنس رواعي فراقد الأولاد وله فيها ويفضلها على بغداد:
على سر من را والمصيف تحية مجللة من مغرم بهواهما ألا هل لمشتاق ببغداد رجعة تقرب من ظليهما وذراهما؟
محلان لقى الله خير عباده عزيمة رشد فيهما فاصطفاهما وقولا لبغداد إذا ما تنسمت على أهل بغداد جعلت فداهما أفى بعض يوم شف عيني بالقذى حرورك حتى رابني ناظراهما؟
ولم تزل كل يوم سر من رأى في صلاح وزيادة وعمارة منذ أيام المعتصم والواثق إلى آخر أيام المنتصر ابن المتوكل، فلما ولى المستعين وقويت شوكة الأتراك واستبدوا بالملك والتولية والعزل وانفسدت دولة بنى العباس لم تزل سر من رأى في تناقص للاختلاف الواقع في الدولة بسبب العصبية التي كانت بين أمراء الأتراك إلى أن كان آخر من انتقل إلى بغداد من الخلفاء وأقام بها وترك سر من رأى بالكلية المعتضد بالله أمير المؤمنين كما ذكرناه في التاج وخربت حتى لم يبق منها إلا موضع المشهد الذي تزعم الشيعة ان به سرداب القائم المهدى ومحلة أخرى بعيدة منها يقال لها كرخ سامراء وسائر ذلك خراب يباب يستوحش الناظر إليها بعد أن لم يكن في الأرض كلها أحسن منها ولا أجمل ولا أعظم ولا آنس ولا أوسع ملكا منها، فسبحان من لا يزول ولا يحول، وذكر الحسن بن أحمد المهلبي في كتابه المسمى بالعزيزي قال: وأنا اجتزت بسر من رأى منذ صلاة الصبح في شارع واحد ماد عليه من جانبيه دور كأن اليد رفعت عنها للوقت لم تعدم إلا الأبواب والسقوف، فأما حيطانها فكالجدد، فما زلنا نسير إلى بعد الظهر حتى انتهينا إلى العمارة منها، وهي مقدار قرية يسيرة في وسطها، ثم سرنا من الغد على مثل تلك الحال فما خرجنا من آثار البناء إلى نحو الظهر، ولا شك أن طول البناء كان أكثر من ثمانية فراسخ،