المستشفيات العادية؟ أنت تعلم أن الصحيح إذا دخل مستشفى الكوفة يخرج منها مريضا.
عند ذلك سكت ولم يعلق على كلامي. هنا تدخل أحد الحضور الذي جاء معه وقال: الحق مع الحاج الشاكري، وان كلامه صحيح ومنطقي.
قال الموفد: إذا ما العمل؟ وبدون أن أجيبه على قوله: أخرجت ورقة برقية وكتبت عليها العبارة التالية: سماحة الشيخ يبقى في المستشفى، وسأكون عندكم خلال يومين إن شاء الله. وقلت له: خذ هذه البرقية وأبرقها حالا إلى طهران.
وخرجنا معا من مكتبي، وأوصلته إلى مركز البريد والهاتف بسيارتي وذهبت إلى داري وأنا منفعل ومتأثر جدا، وكلي قلق واضطراب.
وفي اليوم الثاني أرسلت جواز سفري بيد أحد الموظفين لأخذ الويزة من السفارة الإيرانية ببغداد، وقطعت بطاقة سفر على أول طائرة متجهة إلى طهران، وحينما وصلت طهران توجهت رأسا إلى المستشفى " بيمارستان آريا مهر " استقبلني نجله الشيخ رضا الأميني وشرح لي كل أبعاد القضية وما يتعلق بصحة سماحة الشيخ وخلفياتها، وما يتعلق بأمور أخرى وأبعادها.
ثم صعدنا معا إلى غرفته، ووقفت أمام سريره، وكان في حالة إعياء يغمى عليه ساعة ويفيق ساعة، ودار الشيخ رضا إلى الجهة الثانية من السرير وكلم والده وأخبره بقدومي، ففتح عينه ونظر إلي، ولما شاهدني انفجر باكيا حتى اخظلت بدموعه لحيته والوسادة، ثم قال " بالفارسية " ولسانه ثقيل نسبيا: " آمدي آمدي " أي: " أتيت أخيرا أتيت "، وأنا واقف أمامه متبسما في وجهه، " ولكن والله يعلم كانت نياط قلبي تتقطع وتقطر دما وأقول في نفسي: هذا الرجل العملاق هكذا يصرعه المرض؟ فلتخسأ الدنيا وما فيها، وبعد أن هدأ روعه قلت له بلهجة كلها حنان وعطف وبلسان لين هادئ: سيدي تعز بعزاء الله، أحدث لله شكرا على ما ابتلاك به كما ابتلى نبيه أيوب فصبر وأعطاه الله أجر الصابرين، وما هذه الامتحانات إلا لتزكية أعمالك ورفع درجاتك.