ففي عام (1384 هجري قمري) عزم شيخنا الوالد (قدس سره) على السفر إلى سوريا، وكان غرضه من تلك الرحلة هو البحث عن المصادر التي لا تزال مخطوطة، ولم يقدر لها أن تخرج إلى عالم النور وتحتل مكانتها بين المطبوعات، وتعتبر من أهم الأسانيد والمصادر التي نشير إليها في مطبوعاتنا وكتبنا ونرجع إليها، وهي من نفائس آثار السلف ومن كنوز التراث الإسلامي، وتزخر بها مكتبات دمشق، كالمكتبة الظاهرية ومكتبة الأوقاف، وكان غرضه من وراء كل ذلك إنجاز سفره الخالد وموسوعته الكبرى " الغدير ".
وكان الأستاذ الشاكري عمدة تهيئة متطلبات السفر وإقامة شيخنا الوالد في الشام، حيث أقام فيها زهاء أربعة أشهر، وعرضت للشاكري في تلك الفترة سفرة إلى أوربا في بعض شؤونه التجارية، وعند عودته إلى بلده عرج على دمشق بدافع رباني ليطمئن على صحة الوالد ويلبي حاجاته، وما إن هبطت الطائرة في مطار دمشق حتى أسرع توا إلى المكتبة الظاهرية، حيث يقيم الوالد في غرفة خاصة خصصت له من قبل الأساتذة الأفاضل أعضاء المجمع العلمي وأسرة المكتبة، تكريما له واعترافا بمكانته العلمية.
وحينما دخل عليه في غرفته الخاصة تلك شاهد العلامة الكبير غارقا بين مئات الكتب النفيسة مشتغلا بالمطالعة، فسلم عليه وما أن رفع الوالد طرفه الكريم ليرد عليه السلام حتى قام من مكانه وضمه إلى صدره، وعانقه معانقة الوالد الولهان لولده متبسما في وجهه، وقد أولاه من عطفه الأبوي ما يملأ النفس ارتياحا. وكان يسأل عن أفراد عائلته ويتفقد أحوالهم واحدا واحدا، كما هو ديدنه في رسائله وعندما يجتمع معه.
وبعد أن استقر به المجلس وتجاذبا أطراف الحديث - والحديث ذو شجون - وأراه إنتاجه الجبار الرائع، ومنه أنه (رحمه الله) استنسخ من نفائس الكتب الخطية بيده الشريفة زهاء ألف وثمانمائة صفحة بالحجم الكبير (فولوسكاب) وطالع مئات الكتب الخطية والمراجع والمصادر.