هو إلا كرعاية المصلي طهارة جسده وملبسه ومصلاه، يتخذ المسلم لنفسه صعيدا طيبا يسجد عليه في حله وترحاله، ولا سيما في السفر، إذ الثقة بطهارة كل أرض يحل بها ويتخذها مسجدا لا تتأتى له في كل موضع من المدن والرساتيق والفنادق والخانات وغيرها.
فأي وازع من أن يحتاط المسلم في دينه، ويتخذ معه تربة طاهرة يطمئن بها وبطهارتها يسجد عليها لدى صلاته، حذرا من السجدة على الرجاسة والنجاسة والأوساخ.
وقد قال في الأصل الثاني: إن قاعدة الاعتبار المطردة تقتضي التفاضل بين الأراضي بعضها على بعض، وتستدعي اختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها، وهذا أمر طبيعي عقلي متسالم عليه، مطرد بين الأمم طرا، ألا ترى ان المستقلات والساحات والدوائر الرسمية والدور المضافة إلى الحكومات وبالأخص ما ينسب منها إلى البلاط الملكي، ويعرف باسم عاهل البلاد وشخصه، لها شأن خاص، وحكم ينفرد بها، يجب على الشعب رعايته، والجري على ما صدر فيها من قانون.
فكذلك الأمر بالنسبة إلى الأراضي والأبنية والديار المضافة المنسوبة إلى الله تعالى، فإن لها شؤونا خاصة وأحكاما وطقوسا، ولوازم وروابط لا مناص ولابد لمن أسلم وجهه لله من أن يراعيها ويراقبها.
وبعد شرح مفصل حول أفضلية بعض الأماكن كمساجد أو مدن أو بقاع وضح فضيلته تربة كربلاء المقدسة، ومبلغ انتسابها إلى الله سبحانه وتعالى، ومدى حرمتها وحرمة صاحبها، دنوا واقترابا من العلي الأعلى، فما ظنك بحرمة تربة هي مثوى قتيل الله، وقائد جنده الأكبر المتفاني دونه بل هي مثوى حبيبه وابن حبيبه، والداعي إليه، والدال عليه، والناهض له، والباذل دون سبيله أهله ونفسه ونفيسه، والواضع دم مهجته في كفه تجاه إعلاء كلمته، ونشر توحيده، وتحكيم معالمه، وتوطيد طريقه وسبيله.
فعلى هذين الأصلين نتخذ نحن من تربة كربلاء قطعا لمعا وأقراصا نسجد