يثبت اشتغال الذمة به يقينا هو الذي ثبت بالاجماع، والنص، وأزيد من ذلك لم يثبت اشتغال الذمة به أصلا، والأصل براءة الذمة. فالقدر الذي تيقنوا اشتغال الذمة به يحكمون بوجوب تحصيل البراءة اليقينية له، والقدر الذي لا يحكمون بتحصيل البراءة له يحكمون بعدم اشتغال الذمة به أصلا: إما بناء على أن التكليف بتلك العبادة ثبت أولا وبالذات بالامر بالاتيان بأجزائها مفصلة - كما نقلناه في الفائدة السابقة - أو لأنهم يقولون بجريان أصل البراءة في الماهية المجملة أيضا إذا ثبت قدر منها بالاجماع أو النص، أو أنه لا يتحقق التكليف بالمجمل أصلا، بل التكليف إنما يكون بالمبين خاصة، كما نقلناه عنهم في الفوائد، وذكرنا أنه خلاف ما ذهب إليه الأكثر، وذكرنا دليل الأكثر.
ومن هذا توهم بعض: أن القاعدة المذكورة - وهي أن شغل الذمة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية - ليست مسلمة عند الكل، وليست كما توهم، كما لا يخفى على المطلع المتأمل.