طريق الاستقراء، وتلك القاعدة العامة هي القاعدة القائلة بمعذورية الجاهل، أي إن كل جاهل إذا ارتكب خطأ نتيجة لجهله بالحكم الشرعي فلا تترتب على ذلك الخطأ تبعة. وقد استدل الفقيه البحراني على هذه القاعدة بحالات كثيرة في الفقه ثبت شرعا أن الجاهل بالحكم معذور فيها، واستكشف عن طريق استقراء تلك الحالات القاعدة القائلة بمعذورية الجاهل شرعا في جميع الحالات.
وتلك الحالات التي أقام عليها الفقيه البحراني استقراءه واستنتاجه للقاعدة العامة هي الحالات التي نصت عليها الأدلة التالية:
(أولا) ما دل من الشرع في أحكام الحج على أن الجاهل معذور، فمن لبس وهو محرم ثوبا لا يجوز له لبسه جهلا منه بالحكم لا شئ عليه.
(وثانيا) ما دل في أحكام الصوم على أن الجاهل معذور، فمن صام في السفر وهو لا يدري أن الصوم في السفر غير جائز صح صومه ولا شئ عليه.
(وثالثا) ما دل في أحكام النكاح على أن الجاهل معذور، فمن تزوج امرأة في عدتها جهلا منه بحرمة ذلك لم تحرم عليه بالحرمة المؤبدة نظرا إلى جهله، بل كان له أن يتزوجها من جديد بعد انتهاء عدتها.
(ورابعا) ما دل في أحكام الحدود على أن الجاهل معذور، فمن شرب الخمر جهلا منه بحرمته لا يحد.
(وخامسا) ما دل في أحكام الصلاة على أن من صلى أربعا وهو مسافر جهلا منه بوجوب القصر صحت صلاته ولم يجب عليه القضاء.
فكل حالة من هذه الحالات قرينة إثبات ناقصة بالنسبة إلى القاعدة العامة القائلة بمعذورية الجاهل شرعا في جميع الحالات. وبتجمع تلك القرائن يقوى في نفس الفقيه احتمال القاعدة العامة ووثوقه بها.