الأول دال بصراحة على إباحة الارتماس للصائم، والنص الثاني يشتمل على صيغة نهي، وهي تدل بظهورها على الحرمة، لان الحرمة هي أقرب المعاني إلى صيغة النهي وإن أمكن استعمالها في الكراهة مجازا، فينشأ التعارض بين صراحة النص الأول في الإباحة وظهور النص الثاني في الحرمة، لان الإباحة والحرمة لا يجتمعان. وفي هذه الحالة يجب الاخذ بالكلام الصريح القطعي، لأنه يؤدي إلى العلم بالحكم الشرعي، فنفسر الكلام الآخر على ضوئه ونحمل صيغة النهي فيه على الكراهة لكي ينسجم مع النص الصريح القطعي الدال على الإباحة، وعلى هذا الأساس يتبع الفقيه في استنباطه قاعدة عامة، وهي الاخذ بدليل الإباحة والرخصة إذا عارضه دليل آخر يدل على الحرمة أو الوجوب بصيغة نهي أو أمر، لان الصيغة ليست صريحة ودليل الإباحة والرخصة صريح غالبا.
3 - قد يكون موضوع الحكم الذي يدل عليه أحد الكلامين أضيق نطاقا وأخص دائرة من موضوع الحكم الذي يدل عليه الكلام الآخر.
ومثال أن يقال في نص: " الربا حرام " ويقال في نص آخر: " الربا بين الوالد وولده مباح " فالحرمة التي يدل عليها النص الأول موضوعها عام، لأنها تمنع بإطلاقها عن التعامل الربوي مع أي شخص، والإباحة في النص الثاني موضوعها خاص، لأنها تسمح بالربا بين الوالد وولده خاصة، وفي هذه الحالة نقدم النص الثاني على الأول، لأنه يعتبر بوصفه أخص موضوعا من الأول قرينة عليه، بدليل أن المتكلم لو أوصل كلامه الثاني بكلامه الأول فقال: " الربا في التعامل مع أي شخص حرام، ولا بأس به بين الوالد وولده " لأبطل الخاص مفعول العام وظهوره في العموم.
وقد عرفنا أن القرينة تقدم على ذي القرينة، سواء كانت متصلة أو منفصلة.