الجدية " دلالة تصديقية "، لأنها دلالة تكشف عن إرادة المتكلم وتدعو إلى تصديقنا بها لا إلى مجرد التصور الساذج، كما نسميها أيضا ب " الدلالة النفسية "، لان المدلول هنا نفسي، وهو إرادة المتكلم.
وهكذا نعرف أن الجملة التامة لها إضافة إلى مدلولها التصوري اللغوي مدلولان: نفسيان: أحدهما الإرادة الاستعمالية، إذ نعرف عن طريق صدور الجملة من المتكلم أنه يريد منا أن نتصور معاني كلماتها. والآخر الإرادة الجدية، وهي الغرض الأساسي الذي من أجله أراد المتكلم أن نتصور تلك المعاني.
وأحيانا تتجرد الجملة عن المدلول النفسي الثاني، وذلك إذا صدرت من المتكلم في حالة الهزل لا في حالة الجد، ولم يكن يستهدف منها إلا مجرد إيجاد تصورات في ذهن السامع لمعاني كلماتها، فلا توجد في هذه الحالة إرادة جدية بل إرادة استعمالية فقط.
والدلالة التصديقية ليست لغوية، أي أنها لا تعبر عن علاقة ناشئة عن الوضع بين اللفظ والمدلول النفسي، لان الوضع إنما يوجد علاقة بين تصور اللفظ وتصور المعنى لا بين اللفظ والمدلول النفسي، وإنما تنشأ الدلالة التصديقية من حال المتكلم، فإن الانسان إذا كان في حالة وعي وانتباه وجدية وقال: " الحق منتصر " يدل حاله على أنه لم يقل هذه الجملة ساهيا ولا هازلا وإنما قالها بإرادة معينه واعية.
وهكذا نعرف أنا حين نسمع جملة كجملة " الحق منتصر " نتصور المعاني اللغوية للمبتدأ والخبر والهيئة بسبب الوضع الذي أوجد علاقة السببية بين تصور اللفظ وتصور المعنى، ونكتشف الإرادة الواعية للمتكلم بسبب حال المتكلم، وتصورنا ذلك يمثل الدلالة التصورية واكتشافنا هذا يمثل الدلالة التصديقية والمعنى الذي نتصوره هو المدلول التصوري واللغوي