وبناء على هذا الإيضاح فإن الأمارات والطرق (الأدلة الاجتهادية) تتقدم على الأصول العقلية من البراءة والاحتياط والتخيير العقلي (الأدلة الفقاهتية) ولا يكون بينهما تعارض، لأن معنى التعارض هو تكاذب الدليلين، ولا يتكاذب الدليلان إلا إذا كانا في عرض واحد، وأما إذا كان أحدهما في طول الآخر فلا يتكاذبان، والأمر هنا كذلك، فإن الأصول العقلية تجري عند انتفاء خبر الثقة، ولا معنى لجريان هذه الأصول مع وجود خبر الثقة، ويسمي الشيخ الأنصاري (رحمه الله) هذه العلاقة بين الأدلة ب " الورود " ويحدده بما لو كان الدليل الوارد ينفي موضوع الدليل المورود نفيا تكوينيا ووجدانيا، بعناية التعبد من الشارع.
وهذا نوع من العلاقة بين الأدلة الاجتهادية والفقاهتية يذكره الشيخ الأنصاري (رحمه الله) في المباحث العقلية من الأصول.
الحكومة:
والنوع الثاني من العلاقة بين الأدلة الاجتهادية والأدلة الفقاهتية هو " الحكومة " وهي أيضا تقتضي تقدم الدليل الاجتهادي على الدليل الفقاهتي ولكن ببيان آخر وطريقة أخرى تختلف بعض الشئ عن " الورود ".
وتطلق " الحكومة " في مدرسة الشيخ الأنصاري (رحمه الله) على حالة خاصة من العلاقة بين الدليلين يكون فيها أحد الدليلين ناظرا إلى مفاد الدليل الآخر، وشارحا له، ومبينا لكمية مدلوله، حتى إذا كانت هذه النظارة والشرح من الدليل الثاني للدليل الأول بغير الألفاظ المستعملة للشرح والتفسير.
وفي مورد " الحكومة " لا تنفي الأدلة الاجتهادية موضوع الأصول العملية نفيا تكوينيا بالوجدان ك " الورود " وإنما تنفيه نفيا تشريعيا وبتعبد من الشارع، وبحكم من الشارع، ولعل ذلك هو سبب تسميته ب " الحكومة " وهذه الحكومة ترد كثيرا في العلاقة بين الأمارات والأصول الشرعية (البراءة الشرعية والاستصحاب) فإن موضوع البراءة الشرعية بمقتضى حديث الرفع: " رفع عن