إرادته منه، فلا شك في أنه حينئذ لا مجال للتمسك بالإطلاق، لأن هذا الظهور يجعل اللفظ بمنزلة المقيد بالتقييد اللفظي، ومعه لا ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق حتى يتمسك بأصالة الإطلاق التي هي مرجعها في الحقيقة إلى أصالة الظهور.
وأما إذا كان الانصراف غير ناشئ من اللفظ بل كان من سبب خارجي، كغلبة وجود الفرد المنصرف إليه أو تعارف الممارسة الخارجية له، فيكون مألوفا قريبا إلى الذهن من دون أن يكون للفظ تأثير في هذا الانصراف، - كانصراف الذهن من لفظ " الماء " في العراق مثلا إلى ماء دجلة أو الفرات - فالحق أنه لا أثر لهذا الانصراف في ظهور اللفظ في إطلاقه، فلا يمنع من التمسك بأصالة الإطلاق، لأن هذا الانصراف قد يجتمع مع القطع بعدم إرادة المقيد بخصوصه من اللفظ، ولذا يسمى هذا الانصراف باسم " الانصراف البدوي " لزواله عند التأمل ومراجعة الذهن.
وهذا كله واضح لا ريب فيه. وإنما الشأن في تشخيص الانصراف أنه من أي النحوين، فقد يصعب التمييز أحيانا بينهما للاختلاط على الإنسان في منشأ هذا الانصراف. وما أسهل دعوى الانصراف على لسان غير المتثبت! وقد لا يسهل إقامة الدليل على أنه من أي نوع.
فعلى الفقيه أن يتثبت في مواضع دعوى الانصراف، وهو يحتاج إلى ذوق عال وسليقة مستقيمة. وقلما تخلو آية كريمة أو حديث شريف في مسألة فقهية عن انصرافات تدعى. وهنا تظهر قيمة التضلع باللغة وفقهها وآدابها. وهو باب يكثر الابتلاء به، وله الأثر الكبير في استنباط الأحكام من أدلتها.
ألا ترى أن المسح في الآيتين ينصرف إلى المسح باليد، وكون هذا الانصراف مستندا إلى اللفظ لا شك فيه، وينصرف أيضا إلى المسح