من التكليف في المقيد أنه تكليف في وجود ثان غير المطلوب من التكليف الأول، كما إذا فهم في المقيد في المثال طلب شرب اللبن الحلو ثانيا بعد شرب لبن ما.
إذا فهمت ما سقناه لك من معنى التنافي، فنقول: لو ورد في لسان الشارع مطلق ومقيد متنافيان سواء تقدم أو تأخر، وسواء كان مجئ المتأخر بعد وقت العمل بالمتقدم أو قبله، فإنه لابد من الجمع بينهما إما بالتصرف في ظهور المطلق فيحمل على المقيد، أو بالتصرف في المقيد على وجه لا ينافي الإطلاق، فيبقى ظهور المطلق على حاله.
وينبغي البحث هنا في أنه أي التصرفين أولى بالأخذ؟ فنقول: هذا يختلف باختلاف الصور فيهما، فإن المطلق والمقيد إما أن يكونا مختلفين في الإثبات أو النفي، وإما أن يكونا متفقين.
الأول: أن يكونا مختلفين، فلاشك حينئذ في حمل المطلق على المقيد، لأن المقيد يكون قرينة على المطلق، فإذا قال: " اشرب اللبن " ثم قال: " لا تشرب اللبن الحامض " فإنه يفهم منه أن المطلوب هو شرب اللبن الحلو. وهذا لا يفرق فيه بين أن يكون إطلاق المطلق بدليا، نحو قوله: " أعتق رقبة " وبين أن يكون شموليا مثل قوله: " في الغنم زكاة " المقيد بقوله: " ليس في الغنم المعلوفة زكاة ".
الثاني: أن يكونا متفقين، وله مقامان: المقام الأول أن يكون الإطلاق بدليا، والمقام الثاني أن يكون شموليا.
فإن كان الإطلاق بدليا، فإن الأمر فيه يدور بين التصرف في ظاهر المطلق بحمله على المقيد، وبين التصرف في ظاهر المقيد. والمعروف أن التصرف الأول هو الأولى، لأ أنه لو كانا مثبتين مثل قوله: " أعتق رقبة مؤمنة " فإن المقيد ظاهر في أن الأمر فيه للوجوب التعييني، فالتصرف فيه