والحق عندنا أنه دال على الوجوب وظاهر فيه فيما إذا كان مجردا وعاريا عن قرينة على الاستحباب. وإحراز هذا الظهور بهذا المقدار كاف في صحة استنباط الوجوب من الدليل الذي يتضمن كلمة " الأمر " ولا يحتاج إلى إثبات منشأ هذا الظهور هل هو الوضع أو شئ آخر.
ولكن من ناحية علمية صرفة يحسن أن نفهم منشأ هذا الظهور، فقد قيل: إن معنى الوجوب مأخوذ قيدا في الموضوع له لفظ الأمر (1). وقيل:
مأخوذ قيدا في المستعمل فيه إن لم يكن مأخوذا في الموضوع له (2).
والحق أنه ليس قيدا في الموضوع له ولا في المستعمل فيه، بل منشأ هذا الظهور من جهة حكم العقل بوجوب طاعة الآمر، فإن العقل يستقل بلزوم الانبعاث عن بعث المولى والانزجار عن زجره، قضاء لحق المولوية والعبودية، فبمجرد بعث المولى يجد العقل أنه لابد للعبد من الطاعة والانبعاث مالم يرخص في تركه ويأذن في مخالفته.
فليس المدلول للفظ الأمر إلا الطلب من العالي، ولكن العقل هو الذي يلزم العبد بالانبعاث ويوجب عليه الطاعة لأمر المولى مالم يصرح المولى بالترخيص ويأذن بالترك.
وعليه، فلا يكون استعماله في موارد الندب مغايرا لاستعماله في موارد الوجوب من جهة المعنى المستعمل فيه اللفظ. فليس هو موضوعا للوجوب، بل ولا موضوعا للأعم من الوجوب والندب، لأن الوجوب والندب ليسا من التقسيمات اللاحقة للمعنى المستعمل فيه اللفظ، بل من التقسيمات اللاحقة للأمر بعد استعماله في معناه الموضوع له.