فمجرد الإرادة والرغبة من دون إظهارها بمظهر لا تسمى طلبا. والظاهر أنه ليس كل طلب يسمى أمرا، بل بشرط مخصوص سيأتي ذكره في المسألة الثانية، فتفسير الأمر بالطلب من باب تعريف الشئ بالأعم.
والمراد من " الشئ " من لفظ الأمر أيضا ليس كل شئ على الإطلاق، فيكون تفسيره به من باب تعريف الشئ بالأعم أيضا، فإن الشئ لا يقال له: " أمر " إلا إذا كان من الأفعال والصفات، ولذا لا يقال:
" رأيت أمرا " إذا رأيت إنسانا أو شجرا أو حائطا. ولكن ليس المراد من " الفعل " و " الصفة " المعنى الحدثي - أي المعنى المصدري - بل المراد منه نفس الفعل أو الصفة بما هو موجود في نفسه، يعنى لم يلاحظ فيه جهة الصدور من الفاعل والإيجاد، وهو المعبر عنه عند بعضهم بالمعنى الاسم المصدري، أي ما يدل عليه اسم المصدر، ولذا لا يشتق منه، فلا يقال:
" أمر. يأمر. آمر. مأمور " بالمعنى المأخوذ من الشئ، ولو كان معنى حدثيا لاشتق منه.
بخلاف الأمر بمعنى الطلب، فإن المقصود منه المعنى الحدثي وجهة الصدور والإيجاد، ولذا يشتق منه فيقال: (أمر. يأمر. آمر. مأمور).
والدليل على أن لفظ الأمر مشترك بين معنيين: " الطلب " و " الشئ " لا أنه موضوع للجامع بينهما:
1 - إن " الأمر " - كما تقدم - بمعنى الطلب يصح الاشتقاق منه، ولا يصح الاشتقاق منه بمعنى الشئ. والاختلاف بالاشتقاق وعدمه دليل على تعدد الوضع.
2 - إن " الأمر " بمعنى الطلب يجمع على " أوامر " وبمعنى الشئ على " أمور " واختلاف الجمع في المعنيين دليل على تعدد الوضع.