والحق أنها ظاهرة في الوجوب، ولكن لامن جهة كونها موضوعة للوجوب، ولا من جهة كونها موضوعة لمطلق الطلب وأن الوجوب أظهر أفراده. وشأنها في ظهورها في الوجوب شأن مادة الأمر، على ما تقدم هناك: من أن الوجوب يستفاد من حكم العقل بلزوم إطاعة أمر المولى ووجوب الانبعاث عن بعثه، قضاء لحق المولوية والعبودية، ما لم يرخص نفس المولى بالترك ويأذن به. وبدون الترخيص فالأمر لو خلي وطبعه شأنه أن يكون من مصاديق حكم العقل بوجوب الطاعة.
فيكون الظهور هذا ليس من نحو الظهورات اللفظية، ولا الدلالة هذه على الوجوب من نوع الدلالات الكلامية. إذ صيغة الأمر - كمادة الأمر - لا تستعمل في مفهوم الوجوب لا استعمالا حقيقيا ولا مجازيا، لأن الوجوب - كالندب - أمر خارج عن حقيقة مدلولها ولا من كيفياته وأحواله.
وتمتاز الصيغة عن مادة كلمة " الأمر " أن الصيغة لا تدل إلا على النسبة الطلبية - كما تقدم - فهي بطريق أولى لا تصلح للدلالة على الوجوب الذي هو مفهوم اسمي، وكذا الندب.
وعلى هذا فالمستعمل فيه الصيغة على كلا الحالين (الوجوب والندب) واحد لا اختلاف فيه. واستفادة الوجوب - على تقدير تجردها عن القرينة على إذن الآمر بالترك - إنما هو بحكم العقل كما قلنا، إذ هو من لوازم صدور الأمر من المولى.
ويشهد لما ذكرناه من كون المستعمل فيه واحدا في مورد الوجوب والندب ما جاء في كثير من الأحاديث من الجمع بين الواجبات والمندوبات بصيغة واحدة وأمر واحد أو أسلوب واحد مع تعدد الأمر (1).