وما بعده " هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم " [المائدة: 119]. وعلى هذا تكون " إذ " بمعنى " إذا " كقوله تعالى: " ولو ترى إذ فزعوا " (1) [سبأ: 51] أي إذا فزعوا. وقال أبو النجم:
ثم جزاه الله عني إذ جزى * جنات عدن في السماوات العلا يعني إذا جزى. وقال الأسود بن جعفر الأزدي:
فالآن إذ هازلتهن فإنما * يقلن ألا لم يذهب الشيخ مذهبا يعني إذا هازلتهن فعبر عن المستقبل بلفظ الماضي لأنه لتحقيق أمره وظهور برهانه كأنه قد وقع. وفي التنزيل " ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة " (2) [الأعراف: 50] ومثله كثير وقد تقدم. واختلف أهل التأويل في معنى هذا السؤال وليس هو باستفهام وإن خرج مخرج الاستفهام على قولين: أحدهما: أنه سأله عن ذلك توبيخا لمن ادعى ذلك عليه ليكون إنكاره بعد السؤال أبلغ في التكذيب وأشد في التوبيخ والتقريع. الثاني - قصد بهذا السؤال تعريفه أن قومه غيروا بعده، وادعوا عليه ما لم يقله. فإن قيل: فالنصارى لم يتخذوا مريم إلها فكيف قال ذلك فيهم؟ فقيل: لما كان من قولهم أنها لم تلد بشرا وإنما ولدت إلها لزمهم أن يقولوا إنها لأجل البعضية بمثابة من ولدته، فصاروا حين لزمهم ذلك بمثابة القائلين له.
قوله تعالى: (قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته) خرج الترمذي عن أبي هريرة قال: تلقى عيسى حجته ولقاه الله في قوله: " وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: [فلقاه الله] " سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق " الآية كلها. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وبدأ بالتسبيح قبل الجواب لامرين أحدهما - تنزيها له عما أضيف إليه. الثاني - خضوعا لعزته وخوفا من سطوته. ويقال:
إن الله تعالى لما قال لعيسى: " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " أخذته الرعدة من ذلك القول حتى سمع صوت عظامه في نفسه فقال: " سبحانك " ثم قال:
" ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق " أي أن ادعى لنفسي ما ليس من حقها يعني أنني