قرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وفي صدره: (هذا بيان للناس من الله ورسوله " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " فكتب الآيات فيها إلى قوله: " إن الله سريع الحساب " [المائدة: 4]). وقال الزجاج: المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم بعضكم على بعض. وهذا كله راجع إلى القول بالعموم وهو الصحيح في الباب، قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون عند شروطهم) وقال: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) فبين أن الشرط أو العقد الذي يجب الوفاء به ما وافق كتاب الله أي دين الله، فإن ظهر فيها ما يخالف رد، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). ذكر ابن إسحاق قال: اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد الله بن جدعان - لشرفه ونسبه - فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لقد شهدت في دار [عبد الله] (1) بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى (2) به في الاسلام لأجبت). وهذا الحلف هو المعنى المراد في قوله عليه السلام: (وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الاسلام إلا شدة) لأنه موافق للشرع إذ أمر بالانتصاف من الظالم، فأما ما كان من عهودهم الفاسدة وعقودهم الباطلة على الظلم والغارات فقد هدمه الاسلام والحمد لله. قال ابن إسحاق: تحامل الوليد بن عتبة على الحسين ابن علي في مال له - لسلطان الوليد، فإنه كان أميرا على المدينة - فقال له الحسين: أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن بسيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأدعون بحلف الفضول. قال عبد الله بن الزبير: وأنا أحلف بالله لئن دعاني لآخذن بسيفي ثم لأقومن معه حتى ينتصف من حقه أو نموت جميعا، وبلغت المسور بن مخرمة فقال مثل ذلك، وبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك، فلما بلغ ذلك الوليد أنصفه.
الثالثة - قوله تعالى: (أحلت لكم بهيمة الأنعام) الخطاب لكل من ألتزم الايمان على وجهه وكماله، وكانت للعرب سنن في الانعام من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، يأتي