وهذا السفر مندوب إليه إذا كان على سبيل الاعتبار بآثار من خلا من الأمم وأهل الديار، والعاقبة آخر الامر. والمكذبون هنا من كذب الحق وأهله لا من كذب بالباطل.
قوله تعالى: (قل لمن ما في السماوات والأرض) هذا [أيضا] (1) احتجاج عليهم، المعنى قل لهم يا محمد: " لمن في السماوات والأرض " فإن قالوا لمن هو؟ فقل [هو] " لله " المعنى: إذا ثبت أن له ما في السماوات والأرض وأنه خالق الكل إما باعترافهم أو بقيام الحجة عليهم، فالله قادر على أن يعاجلهم بالعقاب ويبعثهم بعد الموت. ولكنه " كتب على نفسه الرحمة " أي وعد بها فضلا منه وكرما فلذلك أمهل وذكر النفس هنا عبارة عن وجوده وتأكيد وعده، وارتفاع الوسائط دونه، ومعنى الكلام الاستعطاف منه تعالى للمتولين عنه إلى الاقبال إليه، وإخبار منه سبحانه بأنه رحيم بعباده لا يعجل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم الإنابة والتوبة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسوله الله صلى الله عليه وسلم:
(لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي) أي لما أظهر قضاءه وأبرزه لمن شاء أظهر كتابا في اللوح المحفوظ أو فيما شاءه مقتضاه خبر حق ووعد صدق " إن رحمتي تغلب غضبي " أي تسبقه وتزيد عليه.
قوله تعالى: (ليجمعنكم) اللام لام القسم، والنون نون التأكيد. وقال الفراء وغيره:
يجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله: " الرحمة " ويكون ما بعده مستأنفا على جهة التبيين، فيكون معنى " ليجمعنكم " ليمهلنكم وليؤخرن جمعكم. وقيل: المعنى ليجمعنكم أي في القبور إلى اليوم الذي أنكرتموه. وقيل: (إلى) بمعنى في، أي ليجمعنكم في يوم القيامة. وقيل:
يجوز أن يكون موضع " ليجمعنكم " نصبا على البدل من الرحمة، فتكون اللام بمعنى (أن) المعنى: كتب ربكم على نفسه ليجمعنكم، أي أن يجمعكم، وكذلك قال كثير من النحويين في قوله تعالى: " ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه " (2) [يوسف: 35] أي أن يسجنوه. وقيل:
موضعه نصب ب (- كتب)، كما تكون (أن) في قوله عز وجل " كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة " [الانعام: 54] وذلك أنه مفسر للرحمة بالامهال إلى يوم القيامة، عن الزجاج.