قال: (فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور) في رواية (وإني لا أشهد إلا على حق).
قالوا: وما كان جورا وغير حق فهو باطل لا يجوز. وقول: (أشهد على هذا غيري) ليس إذنا في الشهادة وإنما هو زجر عنها، لأنه عليه السلام قد سماه جورا وامتنع من الشهادة فيه، فلا يمكن أن يشهد أحد من المسلمين في ذلك بوجه. وأما فعل أبي بكر فلا يعارض به قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولعله قد كان نحل أولاده نحلا يعادل ذلك.
فإن قيل: الأصل تصرف الانسان في ماله مطلقا، قيل له: الأصل الكلي والواقعة المعينة المخالفة لذلك الأصل لا تعارض بينهما كالعموم والخصوص. وفي الأصول أن الصحيح بناء العام على الخاص، ثم إنه ينشأ عن ذلك العقوق الذي هو أكبر الكبائر، وذلك محرم، وما يؤدي إلى المحرم فهو ممنوع، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم). قال النعمان: فرجع أبي فرد تلك الصدقة، والصدقة لا يعتصرها (1) الأب بالانفاق وقوله: (فارجعه) محمول على معنى فاردده، والرد ظاهر في الفسخ، كما قال عليه السلام (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود مفسوخ. وهذا كله ظاهر قوي، وترجيح جلي في المنع.
الثالثة - قرأ ابن وثاب والنخعي " أفحكم " بالرفع على معنى يبغونه، فحذف الهاء كما حذفها أبو النجم في قوله:
قد أصبحت أم الخيار تدعي * على ذنبا كله لم أصنع فيمن روى " كله " بالرفع. ويجوز أن يكون التقدير: أفحكم الجاهلية حكم يبغونه، فحذف الموصوف.
وقرأ الحسن وقتادة والأعرج والأعمش " أفحكم " بنصب الحاء والكاف وفتح الميم، وهي راجعة إلى معنى قراءة الجماعة إذ ليس المراد نفس الحكم، وإنما المراد الحكم، فكأنه قال: أفحكم حكم الجاهلية يبغون. وقد يكون الحكم والحاكم في اللغة واحدا وكأنهم يريدون