وهو مذهب الأكثرين من العلماء (1). قال أبو عمر: إلا أن مالكا يستحب له استئناف الوضوء على النسق لما يستقبل من الصلاة، ولا يرى ذلك واجبا عليه، هذا تحصيل مذهبه. وقد روى علي بن زياد عن مالك قال: من غسل ذراعيه ثم وجهه ثم ذكر مكانه أعاد غسل ذراعيه، وإن لم يذكر حتى صلى أعاد الوضوء والصلاة، قال علي ثم قال بعد ذلك: لا يعيد الصلاة ويعيد الوضوء لما يستأنف. وسبب الخلاف ما قال بعضهم: إن " الفاء " توجب التعقيب في قوله: " فاغسلوا " فإنها لما كانت جوابا للشرط ربطت المشروط به، فاقتضت الترتيب في الجميع، وأجيب بأنه إنما اقتضت البداءة في الوجه إذ هو جزاء الشرط وجوابه، وإنما كنت تقتضي الترتيب في الجميع لو كان جواب الشرط معنى واحدا، فإذا كانت جملا كلها جوابا لم تبال بأيها بدأت، إذ المطلوب تحصيلها. قيل: إن الترتيب إنما جاء من قبل الواو، وليس كذلك لأنك تقول: تقاتل زيد وعمرو، وتخاصم بكر وخالد، فدخولها في باب المفاعلة يخرجها عن الترتيب. والصحيح أن يقال: إن الترتيب متلقي من وجوه أربعة: الأول - أن يبدأ بما بدأ الله به كم قال عليه الصلاة والسلام حين حج: (نبدأ بما بدأ الله به). الثاني - من إجماع السلف فإنهم كانوا يرتبون. الثالث - من تشبيه الوضوء بالصلاة. الرابع - من مواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك. احتج من أجاز ذلك بالاجماع على أن لا ترتيب في غسل أعضاء الجنابة، فكذلك غسل أعضاء الوضوء، لان المعنى في ذلك الغسل لا التبدية. وروي عن علي أنه قال: ما أبالي إذا أتممت وضوئي بأي أعضائي بدأت. وعن عبد الله بن مسعود قال: لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك، قال الدارقطني: هذا مرسل ولا يثبت، والأولى وجوب الترتيب. والله أعلم.
الثامنة عشرة - إذا كان في الاشتغال بالوضوء فوات الوقت لم يتيمم عند أكثر العلماء، ومالك يجوز التيمم في مثل ذلك، لان التيمم إنما جاء في الأصل لحفظ وقت الصلاة، ولولا ذلك لوجب تأخير الصلاة إلى حين وجود الماء. احتج الجمهور بقوله تعالى: " فلم تجدوا ماء فتيمموا " وهذا واجد، فقد عدم شرط صحة التيمم فلا يتيمم.