ونظير هذه الآية قوله تعالى: " فلا يغررك تقلبهم في البلاد " [المؤمن: 4]. (1) والمتاع: ما يعجل الانتفاع به، وسماه قليلا لأنه فان، وكل فان وإن كان كثيرا فهو قليل. وفي صحيح الترمذي عن المستورد الفهري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بماذا يرجع). قيل: (يرجع) بالياء والتاء. (وبئس المهاد) أي بئس ما مهدوا لأنفسهم بكفرهم، وما مهد الله لهم من النار.
الثامنة عشرة - في هذه الآية وأمثالها كقوله: " أنما نملي لهم خير " [آل عمران: 178] (2) الآية. " وأملي لهم إن كيدي متين " [الأعراف: 183] (3). " أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين " [المؤمنون: 55] (4). " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " [الأعراف: 182] (3) دليل على أن الكفار غير. منعم عليهم في الدنيا، لان حقيقة النعمة الخلوص من شوائب الضرر العاجلة والآجلة، ونعم الكفار. مشوبة بالآلام والعقوبات، فصار كمن قدم بين يدي غيره حلاوة من عسل فيها السم، فهو وإن استلذ آكله لا يقال: أنعم عليه، لان فيه هلاك روحه. ذهب إلى هذا جماعة من العلماء، وهو قول الشيخ أبي الحسن الأشعري. وذهب جماعة منهم سيف السنة ولسان الأمة القاضي أبو بكر: إلى أن الله أنعم عليهم في الدنيا.
قالوا: وأصل النعمة من النعمة بفتح النون، وهي لين العيش، ومنه قوله تعالى: " ونعمة كانوا فيها فاكهين " [الدخان: 27] (5). يقال: دقيق ناعم، إذا بولغ في طحنه وأجيد سحقه. وهذا هو الصحيح، والدليل عليه أن الله تعالى أوجب على الكفار أن يشكروه وعلى جميع المكلفين فقال: " فاذكروا آلاء الله " [الأعراف: 74] (3). " واشكروا لله " [البقرة: 172] (6) والشكر لا يكون إلا على نعمة. وقال:
" وأحسن كما أحسن الله إليك " [القصص: 77] (7) وهذا خطاب لقارون. وقال: " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة " [النحل: 112] (8) الآية. فنبه سبحانه أنه قد أنعم عليهم نعمة دنياوية فجحدوها. وقال:
" يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها " [النحل: 83] (8) وقال: " يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم " [فاطر: 3] (9). وهذا عام