قيل: إن المراد هذا الذي يخوفكم بجمع الكفار شيطان من شياطين الانس، إما نعيم بن مسعود أو غيره، على الخلاف في ذلك كما تقدم. (فلا تخافون) أي لا تخافوا الكافرين المذكورين في قوله: " إن الناس قد جمعوا لكم ". أو يرجع إلى الأولياء إن قلت: إن المعنى يخوف بأوليائه أي يخوفكم أولياءه.
قوله تعالى: (وخافون) أي خافوني في ترك أمري إن كنتم مصدقين بوعدي. والخوف في كلام العرب الذعر. وخاوفني فلان فخفته، أي كنت أشد خوفا منه. والخوفاء (1) المفازة لا ماء بها. ويقال: ناقة خوفاء وهي الجرباء. والخافة كالخريطة (2) من الادم يشتار فيها العسل.
قال سهل بن عبد الله: اجتمع بعض الصديقين إلى إبراهيم الخليل فقالوا: ما الخوف؟ فقال:
لا تأمن حتى تبلغ المأمن. قال سهل: وكان الربيع بن خيثم إذا مر بكير (3) يغشى عليه، فقيل لعلي ابن أبي طالب ذلك، فقال: إذا أصابه ذلك فأعلموني. فأصابه فأعلموه، فجاءه فأدخل يده في قميصه فوجد حركته عالية فقال: أشهد أن هذا أخوف [أهل] (4) زمانكم. فالخائف من الله تعالى هو أن يخاف أن يعاقبه إما في الدنيا وإما في الآخرة، ولهذا قيل: ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه، بل الخائف الذي يترك ما يخاف أن يعذب عليه. ففرض الله تعالى على العباد أن يخافوه فقال: (وخافون إن كنتم مؤمنين) وقال: " وإياي فارهبون ". ومدح المؤمنين بالخوف فقال: " يخافون ربهم من فوقهم " [النحل: 50]. ولأرباب الإشارات في الخوف عبارات مرجعها إلى ما ذكرنا. قال الأستاذ أبو علي الدقاق: دخلت على أبي بكر بن فورك رحمه الله عائدا، فلما رآني دمعت عيناه، فقلت له: إن الله يعافيك ويشفيك. فقال لي:
أترى أني أخاف من الموت؟ إنما أخاف مما وراء الموت. وفي سنن ابن ماجة عن أبي ذر قال