من هذا الباب، فلو سلبهم الله هذه العلوم لكانوا خرجوا من كمال العقل، ولو كان كذلك لظهر واشتهر وكان يكون أبلغ في باب الاعجاز من غيره. ولما لم يعلم كونهم كذلك وأن العرب لم يتغير حالهم في حال من الأحوال دل ذلك على أنهم لم يسلبوا العلوم، وإذا لم يسلبوها وهم متمكنون من مثل هذا القرآن كان يجب أن يعارضوا، وقد بينا أن ذلك كان متعذرا منهم، فبطل هذا القول.
فإن قيل: هل لا جعل القرآن في غاية الفصاحة التي لا تشتبه على أحد ممن سمع.
قلنا: المصلحة معتبرة في ذلك، ولو لزم ذلك للزم أن يقال المعتبر هو الصرف لم لم يجعل القرآن من أرك الكلام وأقله فصاحة فكان يكون أبلغ في باب الاعجاز. وليس يلزم في المعجز أن يبلغ الغاية القصوى. ألا ترى أن الله تعالى لم يجب قريشا إلى جعل الصفا ذهبا والى إحياء عبد المطلب ونقل جبال تهامة من مواضعها وإلى تفجير الأرض لهم ينبوعا، لأن المصلحة معتبرة مع كونها خارقة للعادة وليس تكون المعجزات على قدر الأماني والشهوات.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون القرآن من فعل بعض الجن ألقوه إلى النبي صلى الله عليه وآله ليضل به الخلق، يمكنهم أن يدعوا أن فصاحة الجن ليس فصاحة العرب ولا أنه ليس لهم علم بكيفية هذا النظم المخصوص، لأنه لا طريق لكم إلى ذلك بل يكفي التجويز في هذا الباب، لأن معه لا يمكن القطع على أنه من فعل الله تعالى. وأيضا فإن النبي يدعي أن ملكا نزل عليه بهذا القرآن، فلم لا يجوز أن يكون ذلك الملك كاذبا ولا يمكنهم ادعاء عصمة الملائكة، لأن ذلك معلوم بالسمع الذي لم يثبت بعد صحته، وعادة الملائكة أيضا في الفصاحة غير معلومة.
قلنا: الجواب على هذا السؤال من وجوه: