(وأما الطريقة الثانية) وهو أنه لا بد من إمام بعد ورود الشرع أنه إذا ثبت أن شريعة نبينا عليه السلام مؤبدة إلى يوم القيامة وإن من يأتي فيما بعد يلزمه العمل بها كما لزم من كان في عصر النبي عليه السلام فلا بد من أن تكون علتهم مزاحة [كما كانت علة من شاهد النبي مزاحة في زمانه، ولا تكون العلة مزاحة] 1) إلا بأن تكون الشريعة محفوظة، فلا تخلو من أن تكون محفوظة بالتواتر أو الإجماع أو الرجوع إلى أخبار الآحاد والقياس أو بوجود معصوم عالم بجميع الأحكام في كل عصر يجري قوله مثل قول النبي عليه السلام، فإذا أفسدنا الأقسام كلها إلا وجود معصوم ثبت أنه لا بد من وجوده في كل وقت ولا يجوز أن تكون محفوظة بالتواتر، لأنه ليس جميع الشريعة متواتر بها بل التواتر موجود في مسائل قليلة نزرة، فكيف يعمل بها في باقي الشريعة.
على أن ما هو متواتر يجوز أن يصير غير متواتر، بأن يترك في كل وقت جماعة من الناقلين نقله إلى أن يصير آحادا، إما لشبهة تدخل عليهم أو اشتغال بمعاش وغير ذلك من القواطع ولا مانع من ذلك أو يعتمدوا تركه لأنهم ليسوا معصومين لا يجوز عليهم ذلك.
ولا يجوز أن تكون محفوظة بالاجماع، لأن الإجماع ليس بحاصل في أكثر الأحكام بل هو حاصل في مسائل قليلة والباقي كله فيه خلاف فكيف يعول عليه. على أن الإجماع إن فرضنا أنه ليس فيهم معصوم - على ما يقولونه - فليس بحجة، لأن حكم اجتماعهم حكم انفرادهم، فإذا كان كل واحد منهم ليس بمعصوم فكيف يصيرون باجتماعهم معصومين، ولو جاز ذلك جاز أن يكون كل واحد منهم لا يكون مؤمنا فإذا اجتمعوا صاروا مؤمنين، أو يكون كل واحد منهم يهوديا فإذا اجتمعوا صاروا مؤمنين، أو يكون كل واحد منهم يهوديا فإذا اجتمعوا صاروا مسلمين، وذلك باطل.