فصل (في الكلام في وجوب الإمامة) المخالف في وجوب الإمامة طائفتان: إحداهما تخالف في وجوبها عقلا، والأخرى تخالف في وجوبها سمعا.
فالمخالف في وجوبها سمعا شاذ لا يعتد به لشذوذه لأنه لا يعرف قائلا به.
وعلماء الأمة المعروفون مجموعون على وجوب الإمامة سمعا، والخلاف القوي في وجوب الإمامة عقلا، فإنه لا يقول بوجوبها عقلا غير الإمامية والبغداديين من المعتزلة وجماعة من المتأخرين، والباقون يخالفون في ذلك ويقولون المرجع فيه إلى السمع.
ولنا في الكلام في وجوب الإمامة عقلا طريقان: إحداهما أن نبين وجوبها عقلا سواء كان هناك سمع أو لم يكن، والثانية أن نبين أن مع وجود الشرع لا بد من إمام له صفة مخصوصة لحفظ الشرع باعتبار عقلي.
والذي يدل على الطريقة الأولى: إنه قد ثبت أن الناس متى كانوا غير معصومين ويجوز منهم الخطأ وترك الواجب إذا كان لهم رئيس مطاع منبسط اليد يردع المعاند ويؤدب الجاني ويأخذ على يد السفيه والجاهل وينتصف للمظلوم من الظالم كانوا إلى وقوع الصلاح وقلة الفساد أقرب، ومتى خلوا من رئيس على ما وصفناه وقع الفساد وقل الصلاح ووقع الهرج والمرج وفسدت المعايش.
بهذا جرت العادة وحكم الاعتبار، ومن خالف في ذلك لا يحسن مكالمته لكونه مركوزا في أوائل العقول. بل المعلوم أن مع وجود الرؤساء وانقباض أيديهم وضعف سلطانهم يكثر الفساد ويقل الصلاح، فكيف يمكن الخلاف فيه.