وأقوى الأقوال عندي قول من قال إنما كان معجزا خارقا للعادة لاختصاصه بالفصاحة المفرطة في هذا النظم المخصوص دون الفصاحة بانفرادها ودون النظم بانفراده ودون الصرفة، وإن كنت نصرت في شرح الجمل القول بالصرفة على ما كان يذهب إليه المرتضى رحمه الله من حيث شرحت كتابه فلم يحسن خلاف مذهبه.
والذي يدل على ما قلناه واخترناه أن التحدي معروف بين العرب بعضهم بعضا ويعتبرون في التحدي معارضة الكلام بمثله في نظمه ووصفه لأنهم لا يعارضون الخطب بالشعر ولا الشعر بالخطب والشعر لا يعارضه أيضا إلا بما كان يوافقه في الوزن والروي والقافية فلا يعارضون الطويل بالرجز ولا الرجز بالكامل ولا السريع بالمتقارب، وإنما يعارضون جميع أوصافه. فإذا كان كذلك فقد ثبت أن القرآن جمع الفصاحة المفرطة والنظم الذي ليس في كلام العرب مثله، فإذا عجزوا عن معارضته فيجب أن يكون الاعتبار بهما.
فأما الذي يدل على اختصاصها بالفصاحة المفرطة فهو أن كل عاقل عرف شيئا من الفصاحة يعلم ذلك وإنما في القرآن من الفصاحة ما يزيد على كل فصيح وكيف لا يكون كذلك وقد وجدنا الطبقة الأولة قد شهدوا بذلك وطربوا له كالوليد ابن المغيرة والأعشى الكبير وكعب بن زهير ولبيد بن ربيعه والنابغة الجعدي، ودخل كثير منهم في الاسلام ككعب والنابغة ولبيد، وهم الأعشى بالدخول في الاسلام فمنعه من ذلك أبو جهل وفزعه وقال إنه يحرم عليك الأطيبين الزنا والخمر، فقال له: أما الزنا فلا حاجة لي فيه لأني كبرت وأما الخمر فلا صبر لي عنه وأنظر، فأتته المنية واخترم دون الاسلام.
والوليد بن المغيرة تحير حين سمعه فقال: سمعت الشعر وليس بشعر والرجز وليس برجز والخطب وليس بخطب وليس له اختلاج الكهنة فقالوا له: أنت شيخنا فإذا قلت هذا ضعف قلوبنا، ففكر وقال قولوا هو سحر معاندة وحسدا للنبي عليه