وأما الكلام في اللطف (فيحتاج أن نبين أولا ما اللطف وما حقيقته) واللطف في عرف المتكلمين عبارة عما يدعو إلى فعل واجب أو يصرف عن قبيح، وهو على ضربين: أحدهما أن يقع عنده الواجب ولولاه لم يقع فيسمى توفيقا، والآخر ما يكون عنده أقرب إلى فعل الواجب أو ترك القبيح وإن لم يقع عنده الواجب ولا أن يقع القبيح فلا يوصف بأكثر من أنه لطف لا غير، وما كان المعلوم أنه يرتفع عنده القبيح ولولاه لم يرتفع يسمى عصمة، وإن كان عنده أقرب إلى أن لا يقع عنده القبيح سمي لطفا لا غير، واللطف منفصل من التمكين، ويوصف اللطف بأنه صلاح في الدين 1) وأما ما يدعو إلى فعل قبيح فيقع عنده الصحيح قبيح ولولاه لما يقع يسمى مفسدة واستفساد.
واللطف إذا كان داعيا إلى الفعل أو صارفا فلا بد أن يكون بينه وبين ما هو لطف فيه مناسبة، ولا يلزم أن تكون تلك المناسبة معلومة تفصيلا.
ويجب أن يكون اللطف معلوما على الوجه الذي هو لطف فيه، لأنه داع إلى الفعل، فهو كسائر الدواعي.
والمعتبر في الدواعي حال الداعي من علم أو ظن أو اعتقاد، ولذلك قد يعتقد أن في الشئ نفعا فيكون ذلك داعيا له إلى فعله وإن لم يكن فيه نفع.
وإذا ثبت ذلك فلا يمتنع أن يدعوه إلى الفعل ما ليس بمدرك بعد أن يكون معلوما.
ويجب أن يكون اللطف متقدما للملطوف فيه ليصح أن يكون داعيا إليه وباعثا عليه، والداعي لا يكون إلا متقدما، وأقل ما يجب تقدمه وقت واحد،