وقيل أيضا: إن الخوف إذا كان مغمورا ببعض الأمور فلا يجده الإنسان من نفسه، كما إن من أشرف على الموت وعليه حقوق ومظالم لا بد أن يخاف من ترك الوصية وإهمالها، ومع هذا ربما ذهب عنها لبعض ما يغمره من الأمراض.
فإذا ثبت ذلك فأول فعل يجب على المكلف مما لا يخلو مع كمال عقله منه النظر في طريق معرفة الله، فقلنا " أول " لئلا يلزم ما يتقدمه أو يقارنه: وقلنا " فعل " تحرزا من الامتناع من القبائح، لأن ذلك ليس بفعل. ولا يحتاج أن يقال " مقصودا " تحرزا من إرادة النظر، لأن العاقل عند الخوف ملجأ إلى فعل الإرادة كما هو ملجأ إلى الخوف عند التنبيه على الإمارة وذلك خارج عن التكليف. وقلنا " مما لا يخلو مع كمال عقله " لأن جميع الواجبات العقلية التي هي وجوب رد الوديعة والانصاف وقضاء الدين وشكر النعمة قد يخلو العاقل من جميع ذلك وإن لم يخل من وجوب النظر.
وأما الواجبات الشرعية فإنها فرع على معرفة الله تعالى ومعرفة رسوله، فهي متأخرة لا محالة.
والخوف الذي يقف وجوب النظر عليه يحصل بأشياء:
(أحدها) أن ينشأ بين العقلاء ويسمع اختلافهم وتخويف بعضهم لبعض فلا بد أن يخاف من ترك النظر في أقوالهم إذا ترك حب الشوق التقليد وأنصف من نفسه وعمل بموجب عقله، أو يتنبه على ذلك من قبل نفسه إذا رأى إمارات لائحة وجهات الخوف معترضة فلا بد أن يخاف. وهذا يجوز أن يكون حكم الذي خلقه الله وحده، فإن لم يتفق ذلك أخطر الله تعالى ما يتضمن جهة الخوف وإمارته والتنبيه عليها إما بكلام يسمعه داخل أذنه أو يفعله في الهواء أو يبعث إليه من يخوفه، وكل ذلك جائز. فإذا حصل الخوف وجب النظر.