فإن قيل: لو كانت المعرفة لطفا لما عصى أحد.
قلنا: اللطف لا يوجب الفعل وإنما يدعو إليه ويقوى الداعي إليه ويسهله فربما وقع عنده الفعل وربما يكون معه أقرب وإن لم يقع، والنوافل إنما لم تكن واجبة لأنها مسهلة للواجبات مؤكدة للداعي. وعندي أنها إنما لم تجب لأنها لطف في المندوبات العقلية، فهي تابعة لما هي لطف فيه.
ويجب أن يبقي الله تعالى المكلف قدرا من الزمان يتمكن فيه من تحصيل كمال المعارف به وصفاته وتوحيده وعدله وبعده زمانا يمكنه فعل واجب أو ترك قبيح، لأن الغرض بإيجاب المعرفة كونها لطفا في الواجبات العقلية فلا بد من ذلك.
فصل (في الكلام في الآجال والأرزاق والأسعار) الأجل والوقت عبارتان عن معنى واحد، والوقت هو الحادث أو ما تقديره تقدير الحادث الذي تعلق حدوث غيره به. لأنا نجعل طلوع الهلال وقتا لقدوم زيد فإن كان عالما بطلوع الهلال وغير عالم بقدوم زيد فإن كان عالما بقدوم زيد وغير عالم بطلوع الهلال جاز أن يوقت طلوع الهلال بقدوم زيد.
وما تقديره تقدير الحادث هو أن يقال قدم زيد حين قضى عمرو نحبه، لأن " قضى نحبه " أمر متجدد فجرى مجرى حادث. وعلى هذا لا يجوز التوقيت بالقديم والباقيات، لأنها لا حادثة ولا جارية مجرى الحادث.
فإذا ثبت ذلك فأجل الدين هو وقت حلوله واستحقاقه وأجل الإجارة عند انقضاء المدة المعقود عليها، وأجل الموت هو وقت حصول الموت فيه، وأجل القتل هو وقت حصول القتل، فإذا كان لا وقت لموته وقتله إلا واحدا وهو الذي